إعتراف رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بوجود أكثر من خمسين الف فضائي ضمن قوائم منتسبي 4 فرق عسكرية من أصل 14 فرقة تشكل عديد الجيش العراقي، فتح ملفات ظاهرة الفضائيين في مؤسسات الدولة على مصراعيها.
العراقيون جميعا، شعب ومسؤولون، على علم بوجود الظاهرة وتفشيها في مفاصل مؤسسات الدولة. والظاهرة بدأت حين وزع الامريكان مهمات حماية أنابيب النفط كمقاولات على بعض السياسيين العراقيين مكافأة لهم على عمالتهم في تسهيل دخول قوات الاحتلال وتقديم مختلف الخدمات لها. ثم إنتشرت الظاهرة بعد أن أحكم السياسيون الفاسدون والفاشلون قبضتهم على مراكز صناعة القرار السياسي والمالي، وبعد أن أيقنوا انهم بمأمن من محاسبة الشعب لهم عن فسادهم وسرقاتهم وفشلهم، حيث أوجدوا للشعب ما يلهيه عن هذه المهمة المقدسة.
ولأن ظاهرة الفضائيين تطال جميع وزارات ومؤسسات الدولة، فأن مافيات السلطة ستلجأ الى لملمتها، لانها لو فتحت من قبل لجنة منبثقة عن هيئات محايدة وبشكل شفاف، لأطاحت بمعظم الوزراء والنواب والمدراء العامين، وبمعظم قيادات الجيش والشرطة والأمن، وبجميع السياسيين دون استثناء. إذ يكاد يكون عدد الفضائيين يعادل، إن لم يفوق، عدد العاملين في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وهم أكثر إنهاكا لميزانية الدولة من العاملين النظاميين. لا أتحدث هنا عن الأشباح الموجودين ضمن قوائم المنتسبين على الورق فقط، بل أتحدث عن أولئك الذين أقحمت أسمائهم ضمن تلك القوائم وهم يتمتعون بكافة إمتيازات الوظيفة، مضافا إليها ميزانية مفتوحة للحمايات والايفادات والمؤتمرات الوهمية التي يقيمونها في بغداد والمحافظات الاخرى.
ولم تتعلق ظاهرة الفضائيين بالبشر فقط، فهناك السيارات الفضائية والاسلحة الفضائية والشوارع والجسور الفضائية وهناك أيضا المدن الفضائية.
برلماني سابق يحدثني عن عقد شراء 10000 سيارة، لم يستلم العراق منها سوى 1500 سيارة، في حين تم استلام باقي السيارات على الورق فقط، ودفعت أثمانها كاملة من الميزانية. الأدهى من ذلك، ان السيارات الفضائية تصرف لها سنويا مبالغ فلكية كرواتب سائقين وأثمان وقود وأدوات إحتياطية وتصليح وإدامة. كما يحدثني عن شوارع وجسور
ومجمعات سكنية ومدارس ومدن جميلة شيدت على الورق فقط، فيما دفعت تكاليف تشييدها كاملة بعد ان تم إستلامها من قبل المسؤولين، وعلى الورق فقط ..أيضا.
أي نمط من اللصوص السفلة هم أولئك الذين أبتلى بهم العراق والعراقيون على مدى الاعوام الماضية؟.
ومن الذي سهّل لهؤلاء إقدامهم على الإستهانة بالشعب وثرواته الى هذا الحد؟.
تصاعدت في الآونة الأخيرة أصوات تنتقد زحف الملايين نحو مدينة كربلاء لتأدية مراسيم زيارة أربعينية الامام الحسين الذي استشهد وهو يقود ثورة ضد الظلم مضحيا بحياته وحياة عائلته وحياة أصحابه من أجل إعلاء كلمة العدل والحق، وهي ثورة تمّثلها مناضلون في معظم دول العالم وليس في العالم الاسلامي وحسب. طالبت هذه الاصوات، أو تمنت على أقل تقدير، أن تتمثل هذه الملايين هي الاخرى ثورة الحسين وتزحف نحو البرلمان ومجلس الوزراء ضد الظلم الواقع عليها والمطالبة بمحاكمة الفاسدين وإسترداد ثروات الشعب المنهوبة.
أنا لا أنتقد هذه الملايين الزاحفة، بل أنتقد من ينتقدهم، ولا سيما النخب السياسية والثقافية التي أرى ان عليها ان تعلن عن هزيمتها في قيادة هذه الملايين للدفاع عن حقوقها وإسترداد ثرواتها المنهوبة، أمام نجاح حفنة من المتاجرين بالدين الذين يقدمون خدماتهم للصوص والفاشلين من السياسيين الذين يتصدرون المشهد السياسي من خلال تشتيت إهتمام هذه الملايين عن جرائم وسرقات هؤلاء، وتركيز جهدهم نحو المغالاة في تقديم طقوس دينية ومنها طقوس عاشوراء دون إستلهام روح ثورة عاشوراء، فيما توزعت النخب السياسية والثقافية بين الارتماء في أحضان الاحزاب الدينية التي تقود عمليات النهب والفشل، تحقيقا لمصالح شخصية، على حساب المصلحة الوطنية، وبين من آثر الهجرة على الانخراط في الصراع بين نخب دينية رجعية مدججة بالمال والاعلام والنفوذ مرتبطة بأولئك السياسيين، والنخب العزلاء إلا من مشروعها الوطني وهاجس الدفاع عن مصالح الشعب، وبين من آثر الصمت حفاظا على حياته وحياة عائلته. وإذ يكن لكل من هؤلاء مبرراته، فان إنتقاد بعضهم لهذه الملايين مردود عليه، لان الجموع لا تسير دون قيادة ودون برنامج ودون حماسة.
الفضائيون معاول يحملها السياسيون لتهديم ما تبقى من العراق، والفضائيون أصوات شبحية وضعت في صناديق الاقتراع لترجيح كفتهم في جميع الإنتخابات التي جرت في العراق. وفتح ملفات الفساد الآن خطوة جيدة نحو التصحيح، لكنها لن تكون جادة ومفيدة مالم تقترن بفعل يكشف أسماء المسؤولين عنها والمشاركين فيها وتقديمهم الى القضاء
العادل لنيل ما يستحقون من عقاب مع التأكيد على إسترجاع كافة الثروات المنهوبة تحت جنح ملف الفضائيين، بشرا وآلات وأسلحة ومشاريع وهمية، وإلا فان المسؤولين المزهوين بكشف هذه الملفات أمام الشعب، وأولهم رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وأعضاء حكومته، وسليم الجبوري وأعضاء البرلمان، سيكونون مشاركين بهذه الجريمة النكراء، وهذا ما لا نتمناه لا للعبادي ولا للجبوري ولا لمن معهما من مسؤولين نتوسم فيهم بعض الخير، على قلتهم