ثمة موضوع نهرب منه جميعا ونخشى الحديث فيه أو عنه، فموضوع تآكل نسيجنا الاجتماعي يعتبر واحدا من تلك المواضيع التي نخشى مقاربتها، وثمة أيضا من يكرر القول أننا كنا قبل الآن منسجمي اللحمة الوطنية والاجتماعية، وثمة من يكرر القول أننا كنا نعيش قبل اليوم بسلام ووئام، وأن الشاة كانت تنام في حضن الذئب في فيافينا، وأن الذئب كان لا يأكلها لأنه كان شبعان دوما، ترى كيف تزعزع نظامنا الاجتماعي؟ ومن الذي زعزعه ؟ وكي نلملم أطراف الفكرة في مساحة عمود، وهي مهمة شاقة جدا، سأنحو إلى الطريقة العكسية في التفكير، وهي أن أسأل وأترك الإجابة لتقدير القارئ معتبرا أن ثمة إجابات واحدة على هذه الأسئلة تنفتح على أجوبة منطقية.. وأسأل هل أننا كنا نسيجا موحدا يوما ما؟ وإذا جاءت الإجابة تعسفية بأننا كنا كذلك، فمن مزق النسيج؟ هل مزقت الأفكار والمعتقدات نسيجنا الذي أفترضه المجيب واحدا، أم مزقته النظم السياسية المتعاقبة؟ هل أن العدل كان يوما مقصا لتقطيع نسيج اجتماعي في مكان ما، أم أن الظلم كان هو ذلك المقص؟ أم أن عملية صنع القرار التائهة في بلدنا هي من جعلت كل منا يركب رأسه ويتخذ القرار الذي يناسبه، فصرنا "قرارات" وليس "قرارا واحدا"؟ ولعل الإجابة تكمن في الأسئلة مجتمعة ، لكني أود أن أشير إلى أن عملية اتخاذ القرار في بلد ما هي ما يبقيه بلدا، ولقد توصل العقلاء إلى أن عملية اتخاذ القرار تمر عبر واحد أو أكثر من سبعة بوابات، لكنه يستحيل أن تمر عبرها سوية..! وتعالوا نتأمل هذه البوابات السبع، وسنكتشف بأنفسنا استحالة المرور عبرها جميعا لأننا لا نمتلك مفتاح أي منها!، البوابات هي وبلا أولوية لأي منها على الأخرى: الاتحاد والصراع والخصومة وتكوين الائتلاف والتوفيق والتراخي والحلول الوسط...وترون أن هذه البوابات تحمل متضادات بينة فيما بينها، فالإتحاد ضد الصراع، والخصومة لا تكون ائتلافا، والتوفيق يربكه التراخي، والحلول الوسط تدمر كل بنيان يمكن تكوينه عبر أي من البوابات الأخرى!.. لقد سبب تراكم المشكلات والسكوت عنها خشية أن "يزعج" بعضنا البعض أن نتقوقع على ذواتنا، ونصبح أنسجة متعددة ربما لا يمكن عدها، إلى حد أعتقد فيه أي منا أنه نسيج وحده!..ولأن أي منا أعتقد أنه نسيج وحده، فقدنا التواصل فيما بيننا، وتغربت دواخلنا عن حتى ذواتنا..لقد أعتقد أي منا أنه يمتلك الحقيقة وحده، فبقي وحده مقفلا باب بيته على نفسه حبيسا فيه، بعد أن أضاع المفتاح مثلما أضاعه غيره...! كلام قبل السلام: ثمة مثل هندي يقول: إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة.. سلام... |