الخروج من نفق اﻻزمة


يتردد البعض في دفع عجلة المصالحة الوطنية ، متذرعا بصعوبة ترميم التصدعات التي لحقت بالبنية اﻻجتماعية جراء الصراع الطائفي ، في حين يعجز عن تقديم رؤية بديلة لمستقبل قابل للحياة .
من جانبنا ، فالمصالحة ليست مشروعا للتمايز السياسي عن اﻻخرين ، وﻻنافذة لإفﻻت المجرمين من العقاب ،  اذ ان اﻻستقرار والتنمية اللذين يشكﻻن غاية المصالحة مرتبطان بقيم العدالة وتطبيقاتها في ، كشف الحقيقة ، ومعاقبة الجناة ، وتعويض الضحايا ، وبناء جسور الثقة  .
واذا كان في صميم اهداف المصالحة خلق مجتمع متسالم ضمن البيئتين الوطنية والدولية ، فإن مشروعها يستلزم اﻻنفتاح على فضائين واضحي المعالم :
1 . جغرافي : على كل المساحة الوطنية ، بلحاظ الترسبات التاريخية في العﻻقة بين جميع المكونات الوطنية ، والعمل على إحداث مقاربة نشطة تتجاوز مفاهيم التعايش القسري الى قيم القبول والرضا والتعاون والتخادم ، ويمتد الفضاء الجغرافي للمصالحة ، ايضا ، الى المحيطين اﻻقليمي والدولي في خصوصية عﻻقاتهما ببعض المكونات ورموزها ، وإحتضانهما لجاليات عراقية كبيرة من المهاجرين والمهجرين والنازحين .
2 . زمني ، ويتضمن ثﻻث حقب تتطلب معالجة آثارها تداخﻻت جراحية دقيقة  :
أ . حقبة البعث : وتشكل عناصرها موضع الجدل والصراع ، ﻹنعكاس التعاطي القاصر معها على جل التداعيات واﻻزمات الحاضرة والمستقبلية .
ب . حقبة مابعد البعث ، وإرتقائها الى مستوى الظاهرة الكارثية في القتل والتخريب والتهجير واﻹنتهاكات واﻻستهدافات .
ج . الحقبة التاريخية لتبلور ثقافة الكراهية وتجذر الصراع الطائفي في الوعي العام ، وإعتماد منهج الشراكة في ايجاد الحلول ، مع المؤسسات السياسية والدينية والمدنية والعشائرية على الصعيد الوطني ، وتغيير نمطية الخطاب الديني على مستوى المؤسسات والمنابر في العالم اﻻسﻻمي .
هذه الحقائق تكشف جسامة التحديات التي تنتظر المصالحة الوطنية لتعدد عوامل تهديدها من جهة وﻻرتباطها بمجمل الصراع اﻻقليمي والعالمي من جهة اخرى ، اﻻ ان التراخي في مواجهتها ﻻيفضي اﻻ الى المزيد من اﻻنحدار ، بعدما اثبتت سنوات الصراع فشل القوة في قهر المتحاربين ، وانعكست سلبا على كل اﻻطراف المتنازعة .
واذا كانت المصالحة الوطنية ، كما يرى السيد اياد عﻻوي ، تتوزع عمليا على ثﻻثة محاور : تجميد او تعديل بعض القوانين ، بناء الثقة بين المواطنين ، واصدار قوانين جديدة تهيئ لوحدة المجتمع ، فإن اخضاعها لمبدأ المحاصصة السياسية وعلى نفس المعايير الفاشلة التي تم اعتمادها في التعاطي مع قضايا ومؤسسات الدولة اﻻخرى يمثل اكبر المخاطر ، اذ يفترض ان تستظل بمظلة واحدة ، نرى ان السيد عﻻوي بتاريخه الوطني والمدني هو خيارها الموفق ، بما يوفره هذا التمثيل من منع للتهميش واﻻقصاء ﻷحد او اﻻنحياز لجهة دون اخرى من جانب ، ولكون هذه المهمة بطبيعتها التصالحية ﻻتقبل التفرد او اﻻستبداد من الجانب اﻵخر .