طريق الرجوع


افواجٌ من الناس تسير وانا معهم، وجهتنا اي شيء يحمل اجسادنا المنهكة بعد ان اعيى المشي اقدامنا من حمل البدن، منظرٌ كان وكأنه يومُ يُبعث الناسُ من قبورهم، رجال ونساء واطفال وكبار في السن، كلهم يجرون بأقدامهم التي تملؤها اتربة الطرقات وتقرحات السير لعشرات الكيلوات.
بعد ان مشينا لأكثر من ٦ ساعات لمحت انظارنا ضوء الأمل الأصفر، لمحنا القاطرات الصفر التابعة الى وزارة التجارة من بعيد، اسرعنا في خطواتنا لا ارادياً نحوها وكأننا نملٌ يفترس ميتة طازجة! صعدنا بشق الأنفس على ارتفاع مترين من الارض وكأنّ من حصل فيها على موطئ قدم قد حصل على صك الغفران! وقفنا نساعد الذين لا يستطيعون الصعود بمفردهم حتى النساء فقد تلامست الأيادي بهنّ في محاولة لجرهنّ الى الأعلى فعند الضرورات تباح المحظورات! وبعد ان امتلأت الشاحنة بمختلف الأعمار والجنسيات اُغلق الباب وبقينا واقفين مرصوصين ملتصقين ببعض حتى كدتُ ان أختنق جراء ذلك الزحام والتدافع، لم نستطع رؤية الخارج ونحن بين تلك الجدران الطويلة للشاحنة الصفراء وهي واقفة دون حركة واصوات الصافرات تدوي في الخارج فقلت لنفسي لعلها سيارات الأسعاف تنقل الذين تقدم بهم العمر وعجزوا عن المشي او صعود الشاحنات، اردتُ رؤية ما يحصل في الخارج واستنشاق بعض الهواء الطيّب فوضعت يدي على جدار الشاحنة ورفعت جسدي قليلاً الى الأعلى حتى بان لي الشارع فاكتشفتُ ان تلك الصافرات ليست الا لموكب أحد المسؤولين الذي اوقف جميع الشاحنات حتى يمر ولا يفوّت على نفسه زيارة الأربعين فهذه الزيارة من علامات المؤمن كما في الروايات!
مشت الشاحنة ببطء بعد عبور الموكب فارتفعت الأصوات بالصلوات، لكن توقفت مرة اخرى وسط صراخاتٍ غير مفهومة!! سألنا احد الركاب الذي كان يأخذ موقعه فوق الشاحنة عن سبب التوقف والصراخات، فقال لنا: ان قوات الشرطة اوقفت جميع الشاحنات وهم يطلبون منا عدم الجلوس في الاعلى او التشبث من الخارج فإنّ احد الزوّار قد سقط وهو يتشبث بالشاحنة المسرعة فمات على الفور!
شهيد طريق الجنة، سيسجل شهيداً بفارق بسيط عن أقرانه الشهداء الذين قضوا نحبهم بمفخخات القاعدة ونصال سكاكين داعش، لا بل سيسجل شهيداً قضى نحبه على يد الساسة العراقيين الذين اهملوا كل قضية الا قضية جيوبهم والحفاظ على مناصبهم!
واسأل الله ان يتقبل زيارتهم!