قبل كتابة إستراتيجية المصالحة الوطنية في العراق

تعمل لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية في العراق على اعداد (استراتيجية المصالحة الوطنية للفترة من 2015 – 2018)، وعليه أقول:

من المعروف ان هناك أسس للعدالة الانتقالية تمت تجربتها والعمل وفق مقتضاها في العديد من الدول التي خرجت من فترات طويلة من الحكم الدكتاتوري القمعي القائم على الانتهاك الواسع والمنهجي لحقوق الانسان وبأشكال شتى، من هذه الأسس:

1. تشكيل لجان الحقيقة والمصالحة: لدراسة ماذا جرى؟ ولماذا جرى؟

ولعل اشهرها لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب افريقيا برئاسة الحائز على جائزة نوبل للسلام الكاردينال دزموند توتو، ولجنة الحقيقة والاستقبال والمصالحة في تيمور الشرقية، واللجنة الوطنية لدراسة مشكلة المختفين في الارجنتين، وغيرها، ويستند عمل هذه اللجنة على ان الحق في معرفة الحقيقة الكاملة هو حق أصيل لجميع الضحايا المباشرين عن الجرائم التي كابدوها والأسباب الكامنة وراءها، والإقرار علناً بمعاناتهم، وتصحيح أية اتهامات باطلة وُجهت إليهم، كما ان من حق أهالي الضحايا أن يعرفوا ما حدث لأحبائهم وأن يتعرفوا على أماكن اختفائهم، وكذلك حق المجتمع في معرفة الظروف المحيطة بالانتهاكات التي وقعت والأسباب التي أدت لارتكابها، لضمان عدم تكرارها، والاقرار بها وحفظها وتوثيقها، ومن الممكن ان تعمل هذه اللجنة وفق مبدأ (العفو مقابل الحقيقة) ولكن مع بعض القيود، مثل موافقة الضحية أو ذوي الضحية، ان يكون بشكل فردي، على الجريمة ذات الدوافع السياسية وليس لتحقيق مصلحة شخصية أو عداوة شخصية، والغاءه في حالة ارتكاب جريمة جديدة.

 

2. لجان المصارحة والمكاشفة: التي تؤسس لمصالحة حقيقية تستند على (توحيد الذاكرة) بين افراد الشعب الواحد بمختلف اتجاهاتهم وتوجهاتهم، بمنح الضحايا فرصة سرد قصصهم الموثقة أمام الجمهور ونقلها عبر وسائل الاعلام لتكون اللجنة قد اعترفت بذلك رسمياً بالأخطاء المرتكبة في الماضي، وشجعت على تفهم الجمهور للضحية وتعاطفهم معه، وتقليل إنكار بعض قطاعات المجتمع لحقيقة ما جرى، وزيادة الشفافية في عمل اللجنة، (معهد حفظ الذاكرة في تيمور الشرقية).

 

3. المساءلة: تعتمد المصالحة الحقيقية على وضع حد نهائي وحقيقي للتهديد بالمزيد من العنف من الأنظمة الدكتاتورية عن طريقة محاكمة رموز النظام المنتهك لحقوق الانسان على ان تراعي هذه المحاكمات حقوق الانسان ولا تتعامل بطريقة ثأرية انتقامية ولا تكون شاملة منهجية، (محاكمة خمسة من قادة نظام الخمير الحمر في كمبوديا).

 

4. جبر الضرر وانصاف الضحايا: مع الإقرار بكون الانسان قيمة عظمى لا يمكن تعويضها بالمال ولكن يمكن ان تساهم الأموال التي تدفعها الحكومة للضحايا او ذويهم بتعويض بعض ما فاتهم وتحّسن من معيشتهم لبناء مستقبل أفضل، كما حصل من قبل هيأة الانصاف والمصالحة في المغرب التي دفعت تعويضات مالية لحوالي (20000) شخص من ضحايا سنوات الرصاص (1956 – 1999).

 

5. من الممكن استعارة نظام (Gacaca court)، الذي عالج حوالي (1900000) قضية من نتائج الحرب الاهلية في رواندا (نيسان 1994)، وهو يشبه الى حدٍ ما نظام (الفصل العشائري) التي تستخدمه الكثير من العشائر لتسوية خلافاتها ولكن الفرق ان تقوم الدولة بدفع الأموال لصالح الضحايا.

 

وهنا يبدر سؤال: لماذا تؤسس لجنة للحقيقة والمصالحة؟

الجواب وبأختصار شديد:

1. ترسيخ الديموقراطية.

2. توفير منبر عام للضحايا، (تلقت لجنة الحقيقة في جنوب افريقيا شهادات من 32000) شخص.

3. تعزيز المصالحة الاجتماعية.

4. لتفكيك أدوات القمع ومنعه مستقبلاً.

5. تساعد على محاكمة مرتكبي حقوق الانسان، (المحكمة الدولية لرواندا ويوغوسلافيا).

6. توصي بإصلاحات دستورية وقانونية ومؤسساتية، (السلفادور مثلاً).

7. من المستحيل تجاهل الماضي: إن مستقبل شعب ما لا يمكن أن يُبنى على الجهل بتاريخه أو إنكاره، فلا يمكن للمجتمع أن يطمس ببساطة فصلاً من تاريخه، ولا يمكنه أن ينكر وقائع ماضيه مهما اختلف الناس في تفسيره، فهذه الثغرة ستُملأ حتماً بأكاذيب أو بروايات متضاربة عن أحداث الماضي، إن وحدة الأمة تعتمد على وجود هوية مشتركة مما يفترض ذاكرة مشتركة.

8. توصي بتعويضات للضحايا وجبر ضررهم بطرق كثيرة: (كما في تجربة بيرو):

أ. جبر الضرر الرمزي: الاعتذار، الاعتراف، النصب التذكارية، المصالحة، وإغلاق أماكن الانتهاكات.

ب. جبر الضرر التربوي: التكفل بمصاريف دراسة الضحايا أو ذويهم.

ت. ارجاع الحقوق: الغاء مذكرات الاعتقال والسجلات الجنائية وتسهيل الحصول على الوثائق الشخصية.

ث. جبر الضرر الاقتصادي: تعويض الضحايا مالياً.

ج. جبر الضرر الصحي: علاج مجاني للضحايا ومتابعة حالتهم النفسية.