اذهلتني قصة حقيقية رائعة لأحد معلمينا الافاضل ،يندر وجودها في مجتمع يعاني ترسبات كثيرة من العنف الممنهج على مدى التاريخ ، صورتها لم تغب عن بالي ، منذ ان سمعتها قبل اكثر من سنتين تقريبا ،مفاد الحكاية – ان احد تلاميذ الصف الاول الابتدائي وعند خروجه من الصف في اخر درس ، نادى - معلمه المنهك من تعب ذلك اليوم المدرسي قائلا له ( استاذ قيطان حذائي مفتوح )، فما كان من المعلم الا ان اشار له بيده وقال بصوت حنون – (تعال بابا) وضرب بيده الاخرى على الطاولة التي امامه ، فوضع التلميذ رجله على الطاولة ، وبعد ان ربط المعلم حذاء التلميذ ، بادره التلميذ بقبلة على جبهته العريضة ، وقال ( مع السلامه استاذ ، سنلتقي غدا) وراح راكضا وراء زملائه .
هذا النوع من المعلمين الذي قد يكون عاديا في المجتمعات المتقدمة ، لا يمكن ان يمحى من ذاكرة تلاميذه والمجتمع معا ، ويجب ان يخلد لأنه بهذا العمل ازاح مساحة عريضة من الأسيجة والحواجز والحيطان وهي الباب الاول لتلقي العلوم في مرحلة الطفولة .
للأسف القلة القليلة من معلمينا ، يتعامل بهذا الطريقة الانسانية ، بل الاغلبية منهم بحاجة الى العطف والحنان والى من يهتم به ( وفاقد الشيء لا يعطيه ) فيأتي بكل مشاكل الدنيا ومصائبها ليلقيها على تلك الرؤوس الصغيرة ، غير ابهٍ بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ، وهي بناء جيل المستقبل وهذا يعني بناء وطن مزدهر ومجتمع متحضر ، نحن هنا لا ننكر ان هناك معرقلات لعمل المعلم ، سواء كان من مدرسته او من مؤسسته او من الدولة ، وهذه المعوقات قد تكون اجتماعية او ماليه او مؤسساتية او حتى سياسية ، كل ذلك لا يعني ابدا تنصل المعلم اياً كان عن اداء واجبه ، وعلينا جميعا افراز ( المعلم السوبر) ، وتقديره امام الناس حتى يكون قدوه للجميع ولغيره من الانوف الفرعونية الفارغة ....
|