عديدة هي الامثلة على المواقف المتناقضة التي تتخذها بعض الدول خدمة لمصالحها ، وربما تتصدر الولايات المتحدة باقي دول العالم في هذا المجال ، وعلى أساسه كانت ولازالت الاتهامات الموجهه لها باعتماد سياسة ( الكيل بمكيالين ) ، نتيجة القوانين والقرارات السياسية المتناقضة التي تتخذها في القضايا الدولية الشائكة داخل المنظمات الدولية وخارجها . لكن ما أعلن عنه نائب وزير الخارجية الأمريكي بيرت ماكغورك يوم السبت الماضي في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي ( تويتر ) ، يمثل أساءة للعراق قبل أن يكون فضيحة من الطراز الثقيل للكونغرس الأمريكي والادارة الأمريكية معاً ، فقد كتب ( ان الكونغرس الأمريكي أقر مشروع قانون لاخراج اسمي الحزبين الكورديين ، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني من اللائحة السوداء للجماعات المصنفه على الارهاب ) ، وأضاف ( نحن سعداء لتصحيح الأمر ) ، وأن القرار سيعرض على الرئيس الأمريكي لتوقيعه !، وكان قرار وضع الحزبين في هذه القائمة قد أتخذه الكونغرس في العام 2001 وفي تصنيف المستوى الثالث منها ، الذي توضع فيه الاحزاب السياسية والحركات التي ( تحارب حكومات بلدانها ) . اي أن الحزبين لازالا مدرجين على قائمة الارهاب الأمريكية منذ عام 2001 وحتى يوقع الرئيس الامريكي القانون الجديد ، والسبب هو أنهما حاربا حكومة بلدهما ، اي أنهما حاربا حكومة صدام الذي اسقطته قوات التحالف بقيادة الامريكيين عام 2003 ، ولم يجري تصحيح للامر منذ ذلك التأريخ ، على الرغم من أن رؤساء الحزبين هم رؤساء لاقليم كردستان ولعموم العراق منذ سقوط الدكتاتورية ، اضافة الى أنهما قاما بزيارات عديدة للولايات المتحدة وللكونغرس الامريكي تحديدا في بعض تلك الزيارات ، فكيف يستقيم ذلك مع وجود حزبيهما على القائمة السوداء الامريكية للارهاب ؟!، وكيف يكون رؤساء العراق متهمون بالارهاب ويحاربونه في الوقت ذاته ، وكيف تعقد أمريكا اتفاقيات مع العراق أذا كان رؤسائه ارهابيون ؟!. الغريب في الامر أن جميع الجهات ذات العلاقة في هذه القضية ، أمريكية وعراقية لم تعلق عليها الى الآن ، وهو صمت بحاجة الى تفسير ، قبل السؤال عن اسباب بقاء القانون حتى اللحظة ساري المفعول دون تدخل الجهات السياسية للبلدين لالغائه طوال السنوات الماضية ؟ , خاصة وهو يمس سمعة البلاد ويتعارض مع الدستور العراقي ، حيث يمثل كذلك نواب التحالف الكردستاني شعبهم في البرلمان العراقي وبرلمان الاقليم ، وهم في الغالب أعضاء في الحزبين المتهمين بالارهاب . أن قانون الكونغرس الأمريكي يوضح بمالايقبل الشك الدعم الامريكي لنظام صدام الدكتاتوري بقوة في المؤسسة التشريعية الامريكية منذ قيامه حتى الفترة القريبة التي سبقت سقوطه ، رغم ادعاءات الادارة الامريكية تقاطع سياساتها مع ذلك النظام ، وهي الى الان لم تصدر قانوناً باعتبار حزب البعث حزباً ارهابياً ، مع توفر جميع الدلائل على محاربته ( الحكومات العراقية المتعاقبة ) كما استندت على ذلك في وضع الحزبين الكرديين على قائمة الارهاب ، وهي والكونغرس في ذلك يناقضان قراراتهما السابقة دون تفسير ولاقاعدة قياس للتبرير . أن قرار الكونغرس الامريكي السابق وقراره الحالي حول الحزبين الكرديين ، يمثلان فاصلاً كوميدياً يدعو للسخرية في أكبر وأهم برلمانات العالم التي يفترض أن تقدم نموذجاً للآخرين ، خاصة وهي تدعي دعمها للانظمة الديمقراطية من اجل تحقيق العدالة وسيادة القانون ، ولا نعلم أن كانت القائمة الامريكية تضم كذلك أحزاب عراقية أخرى يعتبرها الكونغرس الامريكي ارهابية لانها قاومت حكومة البعث الدكتاتورية خلال نفس الفترة الزمنية ، وعليه يكون لزاماً على الجهات العراقية المعنية بالامر ، مطالبة الامريكيين بالاعتذار للشعب العراقي ومؤسساته الدستورية عن اعتبار مقاومة النظام السابق عمل أرهابي ، واسقاط كافة القوانين الصادرة منهما في هذا الاتجاه .
|