جزر ومضايق عربية للبيع |
من عجائب الأقطار العربية وغرائبها في هذا الزمن الظالم إنها تخلت في السر والعلن عن جزرها الإستراتيجية, وتنازلت عن مضايقها البحرية المحورية, ومنحت سواحلها ومرافئها للغير, ولم تفكر في يوم من الأيام باستردادها أو تحريرها, والأنكى من ذلك كله إنها صارت تتلمس الأعذار للقوى الأجنبية التي استولت عليها, وتجد التبريرات للمحتل وتدعمه في مواصلة الاحتلال, حتى صارت عندنا اليوم عواصم عربية محتلة, وسواحل عربية محتلة, وموانئ عربية محتلة, وجزر عربية محتلة, ومضايق عربية غير مسيطر عليها. . فالأقطار العربية التي منحها الله إطلالة بحرية واسعة, وشواطئ مترامية الأطراف على البحر الأبيض المتوسط, والبحر الأحمر, وبحر العرب, وخليج عمان, والمحيط الهندي, والخليج العربي, وخليج العقبة, وخليج السويس كان الأجدر بها أن تمتلك حقوق السيطرة الملاحية على مضيق جبل طارق, ومضيق السويس, ومضيق تيران, ومضيق باب المندب, ومضيق هرمز, لكنها فقدت سيطرتها عليها تماما, باستثناء قناة السويس, التي لم تكن بمنأى عن حبائل الهيمنة الدولية عن طريق تعرضها لمحاولات الاستثمار الملاحي الخبيث من وقت لآخر. لم يعد الحديث عن الاحتلال مقتصرا على فلسطين والقدس وغزة وحيفا ويافا والجليل وعكا ونابلس وطولكرم ورام الله وبيت لحم والناصرة, بل تجاوزناها إلى الحديث عن (سبتة ومليلة), التي أصبحت من الممتلكات الاسبانية الصرفة في الشواطئ العربية المغربية منذ عام 1580 وحتى يومنا هذا, وبات الحديث عن جزيرة (طنب الكبرى), و(طنب الصغرى), وجزيرة (أبو موسى) وجزيرة (قيس) منذ عام 1971 وحتى يومنا هذا مجرد جملة عابرة يطلقها رجال السياسية كلما دعت الحاجة في مواسم سباقات اليخوت والزوارق الترفيهية السريعة. . لقد حررت مصر سيناء من الغزاة فطردت الإسرائيليين بملابسهم الحربية, لكنها سمحت لهم بالعودة ثانية إليها من غير ملابس (من غير هدوم), ثم تنازل العراق في الجزائر عن نصف شط العرب, وتنازل السودان في عوالم التقسيم والانفصال عن النيل الأبيض, ووقف ملوك الطوائف مع إسرائيل ضد الشعب اللبناني عندما انتفض وحده لاستعادة مزارع شبعا وجبل السماق, ووقفوا ثانية مع إسرائيل ضد لبنان نفسها عندما حاول اللبنانيون التنقيب عن الغاز في مياههم الإقليمية ضمن الواقع الجغرافي لحوض المشرق. . في الوقت الذي جددت فيه إسرائيل أحلامها التوسعية للحصول على موطأ قدم في مضيق باب المندب باعترافها المبكر بدولة (أرض الصومال), المنفصلة عن الأراضي الصومالية, فسعت إلى الانضمام للجهود الدولية بذريعة مكافحة الإرهاب هناك, وباتت تُشبّه الصومال بأنها: أفغانستان البحر الأحمر, وإذا كانت إسرائيل تكشف عن أطماعها الآن بشكل خافت, فإن جذور أطماعها بالمنطقة تعود إلى عام 1960 من القرن الماضي, عندما تقدمت وقتها بعرض الاعتراف بأرض الصومال, لكنها لم تلق تجاوبا, فظلت منذ ذلك الحين تعبر في كل مناسبة عن خصوصية سكان أرض الصومال, وتسللت منذ مدة إلى هناك عن طريق المبادرات والبعثات (الإنسانية), والحقيقة إن الأطماع الإسرائيلية تجاه أرض الصومال, تهدف إلى السيطرة على مضيق باب المندب, الذي يعد البوابة الجنوبية للبحر الأحمر, بعد إن أحكمت سيطرتها على بوابته الشمالية الشرقية المتمثلة بمضيق تيران. فعززت قواعدها هناك منذ اليوم الذي وجدت فيه الفرصة متاحة لها في ذلك المضيق, فسارعت لفرض سيطرتها على جزيرتين عربيتين يتيمتين حائرتين بين ثلاث دول عربية, بين مصر والأردن والسعودية, فلا مصر تدعي بعائديتها, ولا الأردن تريدها, ولا السعودية تطالب بها, ولا يرتفع فوق صواريها الآن أي علم عربي. . جزر عربية تائهة تبحث عن مالكها, جزيرتان لا جزيرة واحدة, ترزحان الآن تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 1967, الجزيرة الكبرى واسمها (تيران), وشقيقتها الصغرى (صنافير), تقعان على مسافة أربعة أميال بحرية فقط عن منتجعات شرم الشيخ المصرية, وعلى بعد بضعة أميال من رأس الشيخ حميد في الشمال الغربي من السعودية, في مضيق (تيران), الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر. . لقد طلبت مصر من السعودية عام 1949 السماح لها بالاستعانة بهاتين الجزيرتين لمنع السفن الإسرائيلية من المرور بمياه خليج العقبة, فمنحتها السعودية حرية التصرف بالجزيرتين, وفرضت مصر سيادتها بالقوة على المضيق, وتحكمت بممراته الملاحية, لكنها خففت الضغط قليلا على ممرات المضيق بعد تعرضها لغارات العدوان الثلاثي الغاشم عام 1956, فتدخلت قوات الطوارئ الدولية وسمحت للسفن الإسرائيلية بالتحرك عبر الممرات الملاحية الضيقة, ثم توسعت الأنشطة الملاحية الإسرائيلية تدريجيا في المنطقة بعد حرب الأيام الستة عام 1967, ثم جاءت معاهدة كامب ديفيد عام 1978 لتمنح السفن الإسرائيلية حرية الملاحة المطلقة في خليج العقبة ومضيق تيران, فتمركزت قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ للإشراف على تحركات السفن التجارية في المضيق, وجهزت نفسها بمنظومات للمراقبة الملاحية الالكترونية, مدعومة برادارات ساحلية مثبتة على الضفة المصرية من ساحل سيناء, بنحو ميلين شمالي (رأس نصراني), لها القدرة على بسط سيطرتها الملاحية الالكترونية على نطاق واسع, يمتد إلى (15) ميل بحري صوب الشمال, و(15) ميل بحري صوب الجنوب, وبإمكان السفن التجارية العابرة لمضيق تيران مشاهدة زوارق الدورية الإسرائيلية وهي تجوب المنطقة جيئة وذهابا. . دعونا الآن نعود الى الجزر العربية الإستراتيجية التي تقف في بوابة مضيق هرمز, ودعونا نستذكر معا ما كتبته صحيفة (الرأي العام) الكويتية الصادرة صباح اليوم العاشر من شهر مايس (مايو) عام 1970, والتي عنونت صفحتها الأولى بعبارة مقتضبة كتبت بالخط العريض تقول: ((صفقة مثيرة بين حاكم رأس الخيمة وإيران)) ثم أوردت بعض العناوين الجانبية, التي تقول: ((القاسمي باع إيران ثلاث جزر تتحكم بالخليج العربي بأكمله)) وعنوان ثانوي آخر يقول: ((مبلغ كبير من المال و20 سيارة فخمة ثمن الجزر)) نسمع هذه الأيام ببعض الردود العصبية المكابرة على ما نشرته صحيفة (الرأي العام) الكويتية عام 1970, لكننا لم نقرأ حتى الآن أي تعليق رسمي إماراتي في عقد السبعينيات أو الثمانينيات أو التسعينيات يدحض صفقة بيع الجزر (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى), التي كشفتها الصحيفة وقتذاك. . ختاما, وفي نهاية هذا العرض المختزل, إلا يحق لنا أن نتساءل عن مصير هذه الجزر العربية المغتصبة من مضيق جبل طارق إلى مضيق هرمز ؟, أين هي الآن وما هو مصيرها ؟؟, ولمن سُجلت عائديتها ؟, ومن المسؤول عن ضياعها ؟, وما مدى صحة الهيمنة الإسرائيلية في مضايق تيران وباب المندب ؟, وما مدى تأثيرها على حرية الملاحة في خليج العقبة والبحر الأحمر ؟, وهل أصبحت الجزر المفقودة ضمن الأراضي المصرية المحتلة في ضوء أحكام وبنود معاهدة كامب ديفيد ؟, أم إنها مازالت مسجلة ضمن الممتلكات السعودية الضائعة ؟, أم إن تبعيتها آلت إلى المملكة الأردنية, التي لا تبعد عنها سوى بضعة أميال ؟, أم استحوذت عليها إسرائيل إلى الأبد مثلما استحوذت على المرتفعات الجبلية في الجولان المنسية ؟, أم إنها مازالت تحت سيطرة الأمم المتحدة ؟, أم فقدت هويتها في مهب رياح الخماسين؟, وما الذي يمنع الإمارات العربية المتحدة من استرداد جزرها عن طريق العمل العسكري المباشر بجيشها العرمرم, الذي أرسلته إلى أفغانستان, فالجزر المغتصبة لا تبعد عنها سوى بضعة أميال, وهي أولى بالتحرير والتحرر من قندهار ؟, وما الذي يمنعها من المطالبة بها عن طريق محكمة العدل الدولية بموجب أحكام القانون الدولي للبحار والمحيطات ؟, وما الذي يمنع أقطار الخليج العربي من الاحتجاج على حقول النفط الإيرانية التي انتشرت في مياه الخليج العربي بالطول والعرض, حتى صارت على بعد بضعة أميال من سواحل الكويت وقطر والإمارات وعمان ؟. . لكننا نعود إلى نشرات الأخبار المتلفزة لنجد الجواب الشافي لهذا التخاذل العربي المخجل, ونكتشف إن الأقطار العربية منشغلة الآن بتدبير المؤامرات والدسائس الطائفية والعرقية والبترولية ضد بعضها البعض, ولا شأن لها بما استحوذت عليه إسرائيل من أراضيها وجزرها ومضايقها, أو بما استولت عليه إيران من جزرها وسواحلها وشواطئها وحقولها النفطية. . . . . والله يستر من الجايات |