العراق تايمز: كتب غالب حسن الشابندر..
أُصيبَ بعضُ اسلاميِّ الحكم في العراق وغير العراق بلوثة مرض الشعور بالعظمة الى حد الهوس ، الهوس الذي يغري علماء التحليل النفسي المختصين بهذا المرض اللعين بان يكونوا عيناتهم التجريبية لمزيد من القراءة والفحص لهذا المرض ، وفيما بعد مصدر إحالة وتذكير وتشبيه بالاسماء الصريحة والالقاب الصارخة ، وربما حتى في اكتشاف علاجات جديدة للمرض هذا بعيناته الجديدة ، عينات بعص اسلاميِّ الحكم ، فلم ينس العراقيون يوم قال الدكتور الجعفري ناعتا حكومته بانها افضل حكومة في تاريخ العراق ، ولا ينسون يوم قال وزير التربية العراقي السابق الدكتور خضير الخزاعي واصفا نفسه بأنه المسؤول عن : ( إعادة بناء العقل العراقي ) ، ولا استشهاد نائب رئيس البرلمان الحالي الشيخ الدكتور همام حمودي من توصيف حسن عجمي له بانه : ( الشيعي العالمي ) ، ولم ينتبه المسكين همام وهو ( عالم نفس ودين واقتصاد ) أن وراء الاكمة ما ورائها ، وقبل أيام يؤكد لنا احدهم بانَّ ما قدمه على صعيد الانجازات الامنية يفوق ما قدمه وزراء الداخلية العرب طرا !
هذا المرض خطير ، تبعاته الخطيرة لا تعود على صاحبه وحسب ، بل على العراق شعبا ووطنا وتاريخا ومستقبلا ، لان هذه النماذج تحتل مناصب مصيرية في القرارالسياسي العراقي ، خاصة بالنسبة للسيد الجعفري حيث تولى منصب وزارة الخارجية العراقية التي تعد في الظرف الحالي اخطر منصب وزاري سيادي يتعلق به مصير العراق المفتوح على كل الاحتمالات .
السيد الجعفري يريد انْ يسوِّق نفسه منظرِّا للجغرافية السياسية وناحتا لمصطلحات سياسية وجغرافية وفلسفية عبر خطاباته( الرسمية) في المحافل والمؤتمرات الاقليمية و الدولية ، اي بصفة كونه وزيرا للخارجية العراقية، فما يقوله ( فلسفيا ) و ( جغرافيا ) و( سياسيا ) إنما هو فلسفة وسياسة العراق والعراقيين ، لانه يتحدث باسمهم وفي مناسبات رسمية عالمية واقليمية ... وهنا الطوفان الاغبر !
مبدئيا لا يحق لوزير الخارجية ان يتحدث فلسفيا في مثل هذه المحافل والمناسبات ، ذلك راي شخصي ، وللجعفري الحق كل الحق ان يباري هايدغر وديلوز وايلي برلين في الفلسفة وغيرهم من الاساطين في الجغرافية والفن والموسيقى والالهيات واللغة والغيب وفن الخديعة ـ في احد صوره الدعائية الاخيرة في موقعه الاستعراضي يضع يديه في جيبيه وهو يحادث سياسيَّةً حسناء كيْ يُوهِم انه لم يصافحها ولكن هل هي الحقيقة قبل وضع اليدين في الجيبين ؟ ــ له كل الحق في ذلك، ولكن بالرسم الشخصي ، وليس كوزير خارجية للعراق وفي مناسبة سياسية رسمية صرف .
ولكن يبدو ان الديكتور لا يبالي لو ان العراق يحترق برمته ما دام ( فكره !) يغزو الحاضرين والمستمعين واساطين الجغرافية السياسية والتاريخ ، والكارثة العظمى ما هو بغزوٍ في النهاية ، بل هزيمة نكراء لصاحبه في كل مجال ، للاسف الشديد ، وبالتالي ، لتقوم النائحة على العراق المسكين ، لان السيد الجعفري ممثله الفلسفي والفكري والجغرافي ، وقرة عينه في الفكر والاداء الدبلوماسي وفي كل شيء !
مات العراق !
هل تريدون الدليل ؟
اقرأوا ما يقوله السيد الجعفري في مؤتمر طهران الأخير عن داعش الارهابية : ـ
(فكر داعش لا يُفرِّق بين البلدان لا الديانات، ولا المذاهب، ويشتبه مَن يتصوَّر أنَّ هذا له علاقة بالإسلام.. هذا الفكر ليس له علاقة بالإسلام، وأنا أقرأ بالأفق -وأتمنى أن لا يكون- أنَّ داعش ستتحرَّك في الأوساط المسيحيّة باسم المسيحيّة، وستعمل على شقِّ المُجتمَع المسيحيِّ، وستتحرَّك في المُجتمَعات البوذيّة، وباسم البوذيّة ستشقُّ المُجتمَع البوذيَّ، وستتحرَّك في المُجتمَعات الهندوكيّة، والكومفوشيوسيّة، وتحاول أن تشقها باسم الدين. كلُّ هذه الديانات بَرَاء من هذا التصرُّف. ) .
أي داعش هذه ؟ هل هي داعش التي ابتلى بها العرب والمسلمون اليوم ؟ هل هي ( داعشنا ) التي خرجت من جوامعنا وكلياتنا الاسلامية ؟ داعش الفكر الوهابي الابن تيمي متطورا باتجاه المزيد من الحذف والرفض ؟
إذا كان الامر كذلك فتلك هي المصيبة الكبرى ، داعش هذه سوف تشق جميع المجتمعات العالمية ، تشقهم دينيا وفكريا ، وهي التي جائت من صلب ابن تيمية ، جاءت من صلب أصول يدعي بعض الناس انها روح الاسلام وقلبه ، داعش هذه في مخيال السيد الجعفري سوف تسود العالم كله !
هل هذا معقول ؟ وفي حديث مع احد الذين كانوا معجبين بالدكتور ، كان يقول ان ( داعش ) هنا مجرد مصطلح يوظفه الدكتور للدلالة على مثيلات له سوف تتخلق في المجتمعات المسيحية والبوذية والكنفوشوسية ، وما شابه ، فمنظر السياسة الخارجية العالمية السيد الجعفري يريد القول ، بان المسيحية سوف تشهد ظاهرة مثل ظاهرة داعش ، كذلك بقية الديانات ، هذا هو مقصد السيد الجعفري ، ولكن هل حقا جاء الحب مطابقا للبيدر ؟ وهل مفردة داعش إلّا مشتقة من حركة داعش باسم الاسلام وفقه الاسلام واخلاق الاسلام ؟ ان تسمية حركة مسيحية متطرفة ، شمولية ، ضيقة الافق ، استباحية ، منغلقة ، ان تسمية مثل هذه الحركة بداعش مسيحية خطا منهجي صرف ، ثم من قال ان المجتمع المسيحي او اليهودي او غيرهما من المجتمعات لم تشهد ولن تشهد حركات متطرفة ، لعلها تفوق في تطرفها حركة داعش ( داعشنا ) ؟ دكتور كانك لم تسمع عن حركات مسيحية باسم الرب تكفِّر كل مسيحيي العالم ما عداها ، وتقتل الناس على الهوية ، وترى في نفسها المجسِّدة بحق وحقيقة المسيحية كما جاء بها الآباء الاوائل ، ويا دكتور هل نسيت المجتمع اليهودي وحركات المتطرفين اليهود في اسرائيل وخارج اسرائيل ؟ قراءتك المستقبلية متحققة عمليا على الارض للاسف الشديد ، فانت يبدو متعلق روحيا بالمستقبل فيما هو ماثل امام اعين الجميع ، ومن زمان ، اكتشافك جاء متاخرا للاسف الشديد ، وانت المغرم بالقراءات الجوانيَّة ، المغرم بقراءة الكتب التي تتحدث عن القوى الباطنية للانسان ، والفواعل الروحية الخفية في صناعة التاريخ ، والاكتشاف عن بعد وأن بعد كثيرا !
ربما الديكتور يتفلسف هنا ليبرر كلامه فيقول على سبيل الافتراض المُستَمد من طبيعة كلامه وانشاءه : ( ان المستقبل ماض من ذاته ومتجه الى ماضيه لان الزمن يعرف القهقرى ، ويجب ان ننسق مع الحاضر لنمنع المستقبل ان يكون ابن الماضي ! ) تلك هي لغة وزير خارجيتنا كما يعرف الجميع ، وكما يتندر الجميع !
يقول الدكتور : ( فداعش لا تتعايش مع أحد إنـَّما هي عمليّة نشوز، وتمرُّد على الإسلام، وعلى الديانات الأخرى؛ لذا ليس للعالم إلا أن يُواجـِه داعش، ويصطفَّ إلى جانب الجيش العراقيِّ. ) .
داعش إذن كانت زوجة ونشزت ، يبدو هكذا يريد القول الدكتور ، بقرينة لُبيَّة يعرفها جيدا ، وبدلالة الاستعمال العرفي السائد ، حيث النشور يقترن في اكثر الاستعمالات بالمفهوم الشرعي ، ولذلك من حقي أن اسال المنظِّر العتيد عن زوج داعش هذه التي نشزت عليه ، واظن ان الدكتور يفقه احكام النشوز بحكم انه كان يدرس الفقه على يد الشيخ عيسى والسيد الحيدري سريا ! داعش ناشزة ، وعليه ، ينبغي ان نعظها ، فإذا لم تتب وتستجب لطاعة ، نهجرها في المضاجع ، وإذا تمادت في سوء خلقها وسلوكها ، نضربها ضربا غير مبرِّح !
داعش تمرّدت على الاسلام ! فهي كانت من الاسلام ثم تمرّدت على الاسلام ، اليس كذلك هو منطوق او مفهوم كلام الديكتور الذي يحمل الف وجه ، لان السيد مغرم بنظرية التاويل ، وبهذا الشكل من السرد يكون قد اسرها بسحر بيانه ودهاليز ( مفاعيله ) !
كلام وزير الخارجية العراقية يثير الدهشة لما يتضمنه من خبط وخلط ،كانه حاطب ليل ، يبدو ان السفرات المكوكية التي يعشقها الوزير قد لعبت ببنيات تفكير الوزير ، فراحت تتشكل تحت ضاغط الارهاق فولدت مسخا .
يتبرع وزير الخارجية العراقية ليطرح لعلماء التاريخ والحضارة ضابطا لتسمية الحقبة الزمنية التاريخية التي تعيشها البشرية اليوم ، فهو يريد ان يكون شبنجلر العالم الجديد، بل ربما ارنولد تونبي ، كيف لا وهو الذي يقول : [اعتقد أنَّ العالم اليوم أمام مرحلة جديدة اسميها (الإنسان ومَن هو ضدّ الإنسان وهذا فكر لابدَّ له من مُعادِل فكريٍّ ) ].
أولا : ما هي علاقة هذا الكلام الزائد بمهمتك كوزير خارجية ، وفيما كان كلامك او نظريتك هذه خاطئة ما هو ذنب العراق والشعب العراقي يتحمل جريرة هذا الخطأ؟ انك تطرح وجهة نظرك الفلسفية والتاريخية ، بدليل قولك : ( أعتقد ) ، فهل نحن مجبرون ان نتحمل جريرة اعتقادك فيما كان كارثة ، وهو كارثة فعلا .
ثانيا : وماذا عن الحرب العالمية الاولى والثانية ؟ كانت ماسيها وجرائرها وفضائحها يا ابو احمد اكثر واعمق وافجع واعتى ، فما هو رايك ان يكون ضابطك التاريخي يصدق هناك اكثر مما يصدق هنا ؟
السيد الجعفري : ـ ثق لا يستطيع اكبر وزير خارجية في العالم ان يطرح رؤى فلسفية في اي مؤتمر او احتفال مختص بقضية سياسية ، حتى اذا اراد ان يتكلم عن القضية بلغة فلسفية فهو يتكلم عنها كاراء شخصية وليست اراء تعبر عن وجهة نظر دولة ، ولكن لانك لا تعرف اساسا مهمتك ، ولانك مهوس بمرض الشهرة تضحي بكل ابناء العراق لحساب هذا الوله المريض .
ان ضابطة السيد الجعفري الحضارية في تسمية هذا العصر هي ضابطة موجودة بروحها منذ ان خلق الله الانسان ، فابنا ادم قتل احدهما الآخر ، والله في كتابه المجيد اقر ان البشر بعضهم لبعض عدو منذ ان انزل ادم إلى الارض ، فلا يحتاج الموضوع إلى مثل هذه الفلسفة المسكينة ، حيث التخبط والتشوش والمخيال غير الخصب وغير المجيد باي حال كانت الاجادة. ثم ماذا بعد ؟
يقترح لعلماء الجغرافية السياسية مصطلحا جديدا ، يبدو ان الجغرافية هي الاخرى لم تنج من تنظيرات ابو احمد يقول: (مصطلح جديد يجب أن نتعامل به، وهو (دول الجوار العربيّ). الديكتور افكاره ، تصوراته كلها على نحو الوجوب ، غير قابلة للنقاش ، ثم ، اي دلالة لهذا المصطلح ؟ دلالة سياسية؟ جغرافية ؟ اقتصادية ؟ عسكرية؟ ما نوع الدلالة دكتور ؟ يقول الدكتور : ( البحرين ليست دولت جوار جغرافي بالمعنى المحدد ولكنها دولة جوار عربي )
صدقني يا وزير خارجيتنا ، ان كل هذه المحاولات صبيانية ، و سوف تذروها الرياح كما هي نظريتك ( شهونة العقل وعقلنة الشهوة )، ونظرياتك الاخرى وما اكثرها ... هل تتذكر شعارات صدام حسين ؟
وفيما كان السؤال حقا ، من هو المسؤول عن كل ذلك ، فجوابي : ان المسؤول هو رئيس الوزراء . وإذا كان هناك سؤال عن المتضرر من كل هذا الخبط واللامسؤولية ، فالجواب : ـ الشعب المسكين .
|