اترك ل القارئ الكريم هذه التفاصيل التي وصلتني من المجاهد السيد ابو منتظر الصافي وهو يشرح الظروف الصعبة بتواريخها واحداثها
المهمة والتي تعد من اصعب الظروف قسوة على العاملين في مناطق الاهوار بعد الانتقال الى العمل المسلح ومجابهة السلطة الصدامية المجرمة
سلام فليح
ردا على مقال ملفات الاهوار ابومنتظر الصافي نموذجا
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة وشكر جزيل للاستاذ الفاضل والاخ العزيز سلام فليح على مقاله
والذي فتح فيه نافذة صغيرة على حقبة مهمة من تاريخ العراق في الجهاد والنضال والمعاصرة لنظام صدام البائد وكما اسميها دائما الاهوار المنسيه والمجهولة, والى الان الكثير من العراقين لايعرفون حقيقة تلك الاهوار وماهي جغرافيتها واي تضحيات وصمود, قدم ابناء عشائرها خصوصا ابناء محافظة الناصرية والبصرة والعمارة.
الاهوار مصطحات مائية تقدر بحوالي 12000 الف كليو متر مربع تمتد من محافظة العمارة مرورا بالناصرية حتى البصرة الفيحاء وهناك اهوار اخرى تمتد من حدود محافظة العمارة حتى الحدود الايرانية وتدخل عمقا كبيرا , وحديثنا عن الاهوار الداخلة في الجغرافيه العراقية فقط, فكما كانت منطقة كردستان العراق معزوله ومحظورة على نظام صدام المجرم كانت الاهوار كذلك ولكن ليس بقرار الامم المتحدة بل بسواعد ابناء العشائر الجنوبية ولااريد ان اعد العشائر ربما انسى بعضا منهم فاظلم حقوقهم, علاقتي في الاهوار بدأت عام 1986 وقبلها كنا في منظمة (انصار الحسين) وبعد التعرض للملاحقات الامنية لافرادها واعتقال العشرات لجأ قسما منهم الى الاهوار والاخر صعد المشانق والاخر حكم بالمؤبد وكان منهم احد ارحامنا (...) لن اذكر الاسماء ألا بعد اخذ الاذن من اصحابها, وان كان البعض حتى تلك اللحظة يعمل بالتقية ويخشى من التصفيات الجسدية من الاعداء (والاصدقاء) خصوصا وهم يرون ان تراثهم نهب.
منذ عام 1986 حتى الانتفاضة الشعبانية كانت الاعمال الجهادية على مستوى الافراد واحيانا تتكون مجموعة من ثلاثة او اربعة اشخاص تقوم باعمال معينة, قلت اعلاه انني لا اريد ذكر العشائر الجنوبية باستثناء عشيرة ( ال جويبر) فمن يتكلم عن الاهوار والجهاد ولايذكرهم يكون قد ابخس حقهم وظلمهم.بعد الانتفاضة الشعبانية التحق الكثير بالاهوار والبعض الى معسكر رفحاء وبقي قسم من المجاهدين والمناضلين داخل المدن! ولايستغرب احدا حينما نقول ان خلايا ومجاميع انتقلت لبغداد واتخذت من بعض البيوت في الاحياء القليلة السكان مقرات لها وكانت تنطلق بتنفيذ عملياتها من مدينة بغداد وكربلاء والمسيب واستمرت بعملها المنظم حتى الشهر الواحد عام 1992 وتعرضت للمداهمات بعد ان القت القوات الصدامية على السيد ( ) الذي كان قادما من ايران ولسوء الحظ استخدم سيارة عائدة لنا واكتشفت ارقامها فتمت الملاحقة لنا فقامت المخابرات بمداهمات في كربلاء والنجف وبغداد فكتشفت ان هناك لواء عسكري يتخذ من المدن متاريس له لقد كانت المجاميع تتنقل وتتحرك بكامل اجهزتها العسكرية الهاونات والرشاشات والبي كي سي.
هل سمع احد بذلك؟
لعلي لااجيد فن الكتابة وايصال المعلومة ولكن مهما كتبنا فلن نصل الى الحقيقة. فاختفت مجموعة كبيرة في مدينة الحلة وبقيت انا شخصيا ثلاث اشهر في بيت مهجور في احد الاحياء من مدينة الحلة
ارسلت السيد( ) للتنسيق مع الاخوة في الاهوار لغرض الانتقال فقالوا الوضع لايطاق وانت ابن مدينة كيف تستطيع تحمل العيش ممكن نهيء لك الظروف حتى تصل الى كردستان والذهاب الى ايران او الى معسكر رفحاء ففضلت الذهاب للاهوار وفعلا غيرت ملامح شكلي وذهبنا الى مدينة الناصرية وصلنا وقت العصر لاننا نريد الذهاب الى هناك بعد الساعة الخامسة مساءا وسيكون الجيش في هذا الوقت قد سحب السيطرات العسكرية وفعلا تم ذلك فوصلنا الى منطقة ال جويبر (( تسمى العبرات)) فاستقبلنا ابناء الاهوار من عشيرة ال جويبر وشعرت اني في دولة اخرى غير العراق, وبعد تناول العشاء جاء ابناء المنطقة للمضيف الذي كنت فيه وما فاجأني انهم كانوا يحملون السلاح والشارع كان يبعد عنا خمسين مترا!
فقررت حين رأيت هذا المنظر ان ابقى في الاهوار ولن اغادر الى اي مكان حتى ياذن الله بامر اخر بعد ان تناصف الليل انتقلت الى عمق الاهوار الى هور (جريشة) مقر السيد جبار ومن يومها حتى جفاف الاهوار لم اغادرها وكانها لحظات مرت بسرعة بحلوها ومرها كانت المعارك شديدة جدا في هور ((صلين)) وصولات وبطولات السادة البطاط لايمكن لمنصف ان ينكرها خصوصا السيد كاظم والسيد عدنان والسيد حمزة وعشيرة بني منصور الذين ابلوا بلاء حسنا وفي العمارة كانت المعارك سجال بين القوات العراقية الصدامية وقوات المجاهدين بقيادة الشهيد ابو نصيف جاسم الفرطوسي وفي احدى االمعارك استشهد رضوان الله عليه فانتلقت الى هور العمارة وانتقلت قيادة العمليات الجهادية للاخ كريم ماهود ابو حاتم المحمداوي وكنا هناك من اجل قراءة الفاتحة للشهيد ابو نصيف فبادر ابو حاتم للاجتماع معنا وبعض المجاهدين هناك وطرح مشروعا لوحدة فصائل المجاهدين في هور العمارة والبصرة والناصرية وتم تكليفي بهذا المشروع والتحرك على باقي المقرات وقمنا برحلة في جميع الاهوار انطلاقا من هور العكر ثم الحمارة ثم هور سجري حتى هور صلين وما ادراك ماهور صلين قد تستغرق قراءة هذه السطور اليتيمه دقائق ولكنها دهرا طويلا تحتاج الى كتب تؤلف وتحفظ تاريخ تلك الحقبة.
بعد هذه الجولة المهمة قررت الاستقرار بهور (( الحمارة)) التابع لقضاء الجبايش ولايمكن لي ان انسى فضل عشائر البو صوباط والجبايش هنا خصوصا عشيرة الحدادين والمواجد والسريحات من عشائر بني اسد البطلة فكم قدموا من التضحيات ولعل اهم حقيقة ان تلك العشائر بعد الانتفاضة اعلنت مواصلة الجهاد ضد صدام وكانت تديم الجهاد من قوتها المتواضعه والله لااتصور ان هناك من يستطيع ان يحصي حجم تضحياتهم ولايمكن الى اي مخلوق ان يعوضهم الا الله سبحانه وتعالى والمشكلة والكارثة ان الجميع من المعممين خارج العراق في وقتها يتكلمون باسمهم وهم منتمين للعراق فقط لاغير يوجد هناك بعض المقرات المنظمة والمنتمية لحركات معينه ولكن الغالب العام هي حركة عشائر الجنوب مندفعة اندافعا ذاتيا وكلما يهجم الجيش علينا فتخرج تلك العشائر وتصد الهجوم ويتراجع الجيش مهزوما من دون ان نطلق طلقة واحدة !!
قاومنا مشروع تجفيف الاهوار مقاومة شرسة ولم نحصل على معونة تذكر الا بعض المعونة القليلة جدا جدا من فيلق بدر فكان يرسل لنا خمسين مقاتل بين فترة واخرى وكنا نستفيد من خبرتهم العسكرية والمشكلة اغلب الناس كانت تظن ان فيلق بدر بالاهوار نعم هو متواجد ومتمترس بالاهوار الايرانية ويشكل ساترا مقابل الحدود العراقية الايرانية ويتصادم مع الجيش العراقي بين فترة واخرى.
لم تتمكن محاولاتنا من منع الجيش الصدامي من عدم تجفيف الاهوار وفعلا بدأ الهور بالجفاف ونزحت العشائر الى الاهوار بين العراق وايران وتجمعت في هور (( همت)) ولهمت هذا حكايات وحكايات.
بقى المجاهدين صامدين في الاهوار وهي لم تجف بالكامل فقررت القيادات للمعارضة العراقية ان الجهاد في الهور انتهى ويجب طوي تلك الساحة نهائيا فقررت ان اذهب لايران ومنها الى مامن اخر بقيت شهرين هناك اتى كريم ماهود والتقى بي وقال بالنص (( اين الناس الناس كلها تسال عنك وتنتظر عودتك)) فقلت له اني اطلعت على الوضع في ايران الكل يغني على ليلاه والمعدان في الهور مجرد مرحلة لهؤلاء السياسين فقال ما العمل فقلت له نشكل حزب جديد مستقل بقراره العسكري والسياسي ونكون نحن قادته فقال هذا ما اتيت من اجله فقلت له اكتم نحن في ايران والله يضعونا في سجن لايصل الينا احدا اتفقنا وعقدنا الاجتماع الاول لتاسيس هذا الحزب وكنا اربعة فقط لاخامس معنا انا وابو حاتم ( وفلان وفلان ) اضافة لمساندين ومؤيدين لفكرتنا ولكنهم لم يحظروا الاجتماع والتفاصيل وكتب البيان التاسيسي ووضعنا خطة ان ابو حاتم يتصالح مع الايرانيين وينزل بشكل عادي للاهوار ثم اكمل البيان والاختام للحزب وارسل نسخة من البيانات للصحافة العالمية ونزل متخفي للاهوار ويوم وصولي قراء بيان التاسيس وفعلا تم ذلك وعلمت المخابرات الايرانية ان هناك وضعا مريبا يجري فتمت ملاحقتي وكنت اختفي من مدينة الى اخرى حتى اتفقنا مع بعض الادلاء ليوصلونا للاهوار وكان معي اربعة اشخاص فحينما وصلنا اخر نقطة للحدود الايرانية كشف امرنا فلاحقتنا المخابرات الايرانية ( الاطلاعات) فلم يمسكوا بنا اسرعنا لدخول الاهوار حتى وصلنا للساتر العراقي فانفتحت النار علينا بشراسة على طول الساتر العراقي والى اليوم لااعرف هل كانت عفوية تلك النيران لان الجيش العراقي كان ينتظرنا ويعرف بوقت وصولنا !!
قاومنا الجيش واضطررنا للاختفاء بالاهوار الايرانية ليلة كاملة وفي اليوم الثاني غيرنا الطريق وتسللنا بين صفوف الجيش العراقي وعبرنا للمناطق العراقية كان هناك مقرا تابع لبعض المجاهدين مرتبط بالايرانين ووصلتهم برقيات باعتقالي او تصفيتي ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيء لاننا كنا اكثر من عشر اشخاص ولدينا اسلحة بعد ان انظمت الينا مجموعة كانت عائدة من ايران للاهوار ولكننا لم نبقى طويلا بهذا المقر فقررنا مواصلة المسير حتى وصلنا للنهر الجديد الذي عمله صدام بعد الجفاف (نهر القائد) فكان هناك مقر ايضا لم يوافق على بقائنا فاضطررنا ان نمشي الى حيث مقر ابو حاتم ولم تكن لنا تجارب المسير في حرارة الصيف مع ماء قليل وكان الوقت في شهر اب اللهاب نفذ الماء واغمي علينا باستثناء شخص واحد استطاع ان يصل الى مقر لابو ماجد الشغانبي فاخبرهم ان مائنا نفذ وسارعوا لانقاذ الجماعة ان وصلتموهم احياء وفعلا كنت في الرمق الاخير ولم امر بموقف في حياتي مثل ذلك الموقف والى اليوم حينما اعكش اشعر بتلك اللوعة من العطش وبقي لساني اسبوع كامل كانه خشبة يابسة جدا.
بعد ايام وصلنا واعلنا بيان تاسيس (( )) ومن هناك تبداء قصة اخرى وحكايات وحكايات لااحب ان اكتبها مبعثرة غير منظمة كونها تاريخ كبير ومهم من تاريخ العراق
ابو منتظر الصافي
|