اولا: هذه المرة تتميز الانتخابات عن اخواتها السابقات بشيئين مهمين:
الشئ الاول؛ هو قانون الانتخابات الذي تغير نحو الاحسن ليلغي القاسم الانتخابي، ما يعني ان الفائز من المرشحين هو من يحصد اكثر الاصوات، بغض النظر عن كون قائمته تخطت القاسم الانتخابي لتكون من الفائزات ام لا، بمعنى آخر فان هذه المرة لا يوجد شئ اسمه تناقل الاصوات من مرشح لاخر، فكل مرشح يفوز برصيده وليس برصيد زعيم القائمة مثلا او ما اشبه.
هذه الميزة في قانون الانتخابات الجديد تتيح للناخب فرصة اكبر لتحديد خياراته على وجه الدقة، وليس كما في المرات السابقة، اذ كان يتم نقل الاصوات من مرشح لاخر ليفوز الثاني حتى اذا كان قد حصل على عدد زهيد من الاصوات، على حساب مرشح حاز على عدد كبير من اصوات الناخبين الا ان قائمته لم تتخطى القاسم الانتخابي فيتم اقصاءه بالضربة القاضية.
الشئ الثاني: هو ان الناخب سيقف، هذه المرة، امام صندوق الاقتراع وهو يختزن الكثير من الخبرة والتجربة الانتخابية، ما تؤهله لفرز المرشحين بشكل اكثر عقلانية وبعيدا عن العواطف، فالخبرة حجة بالغة.
وهذا يعني ان الناخب سيتحمل المسؤولية كاملة امام الله تعالى وامام بلاده واهل محافظته، اذ لا يحق له هذه المرة ان يتحجج، اذا ما فشل في حسن الاختيار، بعدم الخبرة او بانعدام التجربة، ابدا، فلقد علمته السنين العشرة الماضية الكثير من الخبرة المتراكمة، ما تؤهله لان يميز بين المرشحين بكل المعاني.
ثانيا: على المواطن ان ينتخب الخادم ولا ينتخب الحاكم، والفرق بينهما كبير وواسع، فبينما يتعامل الخادم مع الموقع كمسؤولية يتعامل معه الحاكم كمنصب تشريفي، وبينما يعتبر الخادم ان المواطن هو صاحب النعمة في البلاد، يعتبر الحاكم نفسه صاحب النعمة على الشعب كله، وبينما يتحلى الخادم بالشفافية فيكون مستعدا للمحاسبة والرقابة وترك الموقع اذا ما فشل في مهمته، يعتبر الحاكم نفسه انه فوق المحاسبة والرقابة، وان المقعد عادة ما يلتصق بمؤخرته فلا يتركه الا بشق الانفس.
ثالثا: رحم الله المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) فلطالما سمعته يقول بان المرء بحاجة الى ثلاث حاءات اذا اراد ان ينجح في حياته، وهي؛ الحرية، الحماس، الحركة.
فاذا اراد الناخب ان يحسن الاختيار فان عليه ان يبحث عن المرشح الذي يتميز بهذه الصفات الاساسية ليضمن منه اداءا جيدا جدا، فلا يختار العبد لزعيم القائمة او لزعيم العشيرة او للقائمة التي ينتمي اليها، او ما اشبه، وكذلك ينبغي ان لا يكون مرشحه عبدا للدولار او للمنصب او للحياة، فان مثل هذا المرشح كـ (بز) اخفش المعروف في الاوساط الحوزوية.
ولمن لا يعرف قصة (بز) اخفش، والبز كلمة فارسية تعني المعزى باللغة العربية، فان السيد اخفش كان يحضر يوميا دروسه الحوزوية بانتظام، ومن عادة طلبة الحوزات العلمية انهم يناقشون الدرس بعد الانتهاء منه بشكل ثنائي، فكان يظل السيد اخفش لوحده ليس هناك من يناقش معه الدرس، فكان يذهب الى بيته ويقف امام المعزى التي يحبها وتحبه، ويامرها بتحريك راسها كلما تحدث بمسالة تعلمها في الدرس، كدليل على موافقتها لما يقول، وهكذا كانت المعزى تحرك راسها بالموافقة كلما تحدث السيد اخفش او ناقش معها مسالة من المسائل التي تعلمها في درس الحوزة، فالسيد اخفش يتحدث والمعزى لا تمتلك الا خيار الموافقة.
على الناخب ان لا يمنح صوته الى اي (بز) فالمرشح الذي لا يمتلك حريته لا يبدع ولا ينتج ولا يخطط لانه فاقد الاهلية والقدرة على التفكير، كونه ينتظر زعيم القائمة او العشيرة ليشير عليه.
على الناخب ان لا يثق بالامعات، بل ان عليه ان يمنح ثقته للمرشح الذي يمتلك رصيدا شخصيا له راي في القضايا التي تخص عمله وموقعه.
ان المرشح الحر يكون نزيها، والعكس هو الصحيح فالمرشح العبد يكون فاسدا او هو اقرب الى التورط بالفساد، لانه يمتلك القابلية على بيع ضميرة وسمعته وكرامته لمن يدفع اكثر.
كذلك، فان المرشح الخامل الذي لا يمتلك من الحماسة ما تدفعه للمبادرة والتحرك والنشاط والهمة، فانه سيفشل في تحقيق ما انتخب من اجله، فالحماس شرط مهم الى جانب شرط الحرية لمن يريد ان ينجح في مهامه، ولقد قال رسول الله (ص) عن الهمة العالية {يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه}.
ان الكسل والخمول والبرود في الحركة، سبب مهم من اسباب خسارة المجتمع للفرص والمبادرات، لان {الفرصة غصة} كما في حديث رسول الله (ص) ولذلك فهي متاحة لمن يبادر اليها ليقتنصها فور مرورها من امام عينيه، وهذا ما يتطلب منه ان يكون متحمسا للتفكير والعمل، والا فلو كان كسولا فان الفرصة ستمر من امامه من دون ان يفعل شيئا، بل من دون ان يحس بها، وهو حال الكثيرين من المسؤولين اليوم.
اما الحركة التي يقول عنها رسول الله (ص) {في الحركة البركة} فهي الشرط الثالث المهم الذي يجب ان يتميز به المرشح لينجح في مهامه اذا ما حصل على تفويض من الناخب.
تاسيسا على ذلك فان على الناخب ان يدلي بصوته للمرشح الذي عرف عنه في المجتمع انه حر في تفكيره ويمتلك الحماس اللازم للعمل وذا همة عالية يتحرك على اساسها لتنفيذ مهامه.
ثالثا: صوتك، ايها الناخب، شرفك وعرضك والامانة التي تحملتها عندما عرضها الله تعالى على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها، ولذلك فان عليك ان تدقق في المرشحين قبل ان تدلي بصوتك، فلا تستخف به وتظن بانه صوت واحد لا يؤثر في المعادلة، فالصوت الواحد يقلب الموازين في اغلب الاحيان، وقديما قيل ان السيل يتشكل من قطرات، وان القطرة التي تتجمع مع القطرة الاخرى يتشكل منها البحر، ولو لم يكن صوتك مهم لما خطب وده المرشحون على اختلاف مشاربهم ومآربهم.
احذر ان تبيع وتشتري بصوتك، فان ذلك مضيعة للوقت وللجهد وللبلد وللشعب وللخيرات التي انت اولى بها من غيرك، نعم، فان امامك فرصة ذهبية لان تشتري مستقبلك ومستقبل اولادك بهذا الصوت الثمين، فاشتر به المستقبل والرفاهية والكرامة والحياة الحرة السعيدة، من خلال حسن الاختيار.
رابعا: ان السنوات العشر الماضية كشفت التيارات والكتل والسياسيين على حقيقتهم، فعند الناخب اليوم صورة واضحة جدا عن كل الاتجاهات السياسية الموجودة في الساحة العراقية، خاصة تلك التي تصدت للسلطة سواء المحلية منها، مجالس المحافظات، او المركزية (الفيدرالية).
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان المواطن يعرف اليوم على وجه الدقة مكامن الخلل والنقص والفشل في الحياة العامة، كما انه يعرف بشكل مفصل المشاكل التي يعيشها في حياته اليومية، سواء على صعيد الخدمات او الصحة او التعليم او البيئة او الزراعة او الصناعة او الادارة او اي شئ آخر.
ومن جانب ثالث، فان المواطن يعرف جيدا بان من تصدى لموقع المسؤولية في الدولة منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان هو المسؤول الاول والمباشر على كل هذه المشاكل.
تاسيسا على هذه الحقائق الثلاثة، فان تكرار منح الناخب ثقته لنفس التيارات او الكتل السياسية، هذا يعني انه لم يقرر بعد التغيير، لان التغيير يبدا اولا وقبل اي شئ آخر من تغيير المسؤول، فاذا ابقى الناخب على نفس المسؤول او على نفس التيار حاكما في محافظته فهذا يعني انه شريك في الفشل وفي نقص الخدمات وفي المشاكل العويصة الموجودة في مختلف القطاعات، والتي اشر عليها المواطن نفسه قبل اي واحد آخر.
اذا ارت، ايها الناخب، ان تغير حالك، فصمم على تغيير العقلية التي تحكم محافظتك، ولا يمكنك ذلك قبل ان تغير التيارات والكتل السياسية التي تحكم محافظتك، والا، كيف تفكر بالتغيير وانت تمنح نفس الوجوه الموجودة ثقتك ليبقوا في السلطة؟.
لا تستنسخ ما هو موجود، فستستنسخ الفشل، فتكون مصداق القول الماثور (على نفسها جنت براقش).
قد يقول قائل، انه ليس بالامكان افضل مما كان، وان شر تعرفه افضل من خير لا تعرفه، وانه لا يوجد بديلا عن الموجودين، وبذلك يوصد المواطن كل ابواب التغيير الممكنة بوجهه، وهذه الثقافة هي التي دمرت العراق، وهي سبب تخلفنا وفشلنا، لان من يرفض التغيير، او على الاقل يحاول التغيير، فهو انسان فاشل.
ان الامة او الشعب الذي يفكر بهذه الطريقة يحكم على نفسه بالفشل والتخلف والتراجع، ولو ان المجتمعات المتحضرة وشعوب الدول المتقدمة كانت تفكر بهذه الطريقة لما وصلت الى ما هي عليه الان.
ان هذا النمط من التفكير يتميز به الفاشلون والكسالى من الناس، لان التغيير بحاجة الى قرار شجاع كما انه بحاجة الى ثمن يجب ان يدفعه المرء، الامر الذي لا يقدم عليه الكسول والفاشل ابدا، لان هذه النماذج لا تمتلك القدرة على المجازفة، وهو شرط اقتحام عوالم التغيير، وعلى اي مستوى كان.
اننا بحاجة الى ان نثق بالطاقات الخلاقة والدماء الجديدة التي رشحت في هذه الانتخابات فنمنحها ثقتنا ونقف الى جانبها من اجل انجاز التغيير المرجو، الذي يحتاج الى ان نقع فيما نخاف منه، كما يقول الامام علي عليه السلام، وان استنساخ الوجوه والتيارات والكتل التي ثبت للمواطن فشلها، اما بسبب جهلها وعدم تمتعها باية خبرة او كفاءة، او بسبب فسادها المالي والاداري وعدم نزاهتها في موقع المسؤولية، يعني ان المواطن مصمم على الابقاء على الفشل مع سبق الاصرار، فاذا حصل ذلك فلا يلومن الناخب الا نفسه، وان عليه ان لا ينتقد او يتذمر او يحمل احدا مسؤولية ابدا، لانه رضي بما هو موجود، من فساد وانعدام الخدمات وغياب فرص العمل وغير ذلك.
ان التغيير قرار يمتلك ناصيته المواطن، فهو القادر على التغيير بالادوات التي كفلها الدستور، واعني به الصوت الذي يدلي به في صندوق الاقتراع، فاذا زهد المواطن بحقه الدستوري او استخف به او جهل قيمته فليس هناك من يمكنه ان يستعيض به، ابدا، وان هذا التغيير المرجو يبدا بتغيير سؤال الناخب للمرشح، فبدلا من ان يساله عن عشيرته وحزبه وكتلته، فان عليه ان يساله عن علمه وخبرته وتجربته وحياته العملية وانجازاته وكل ما يتعلق بتحسين الانجاز، عليه ان ينتخبه لشخصه وليس لاي شئ آخر.
ان على المواطن ان ينتخب المرشح على اساس معايير العلم والمعرفة والخبرة والنزاهة، كما ان الشجاعة في اتخاذ القرار والدفاع عن الحقوق معيار مهم في عملية حسن الاختيار، والى هذا المعنى اشار القران الكريم بقوله {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ } {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} اما المرشح الذي سلاحه الثرثرة وتقديم الوعود الكاذبة والتنظير الاجوف فلا ينفع شيئا، كما ان المرشح الذي يتاجر بدينه وقوميته ومذهبه، لا يستحق ثقة الناخب، الذي عليه ان يساعد المرشح الذي يفتخر بعلمه وانجازاته وخبراته وتجربته وببرنامجه الانتخابي وباختصاصه وبنزاهته لحجز مقعده في مجلس المحافظة، المرشح الذي يتخندق بالوطن وليس بالطائفة.
15 آذار 2013