جرى الحديث بكثرةفي هذه الأيام ولا زال يجري عن احتمالات حدوث حرب أهلية في العراق ، وكأنها لا تجري في أرض الواقع وفعليا وبقسوة بالغة ووحشية استثنائية مع العلم : هناك أنواع وأنماط عديدة من حروب أهلية ، و لعل أبزرها وأكثرها شائعة تلك التي تدور بين فئة سياسية أوشريحة اجتماعية معينة تسعيان إلى السلطة باستخدام أساليب القوة و العنف المسلح من طرف ، وبين الحكومة أو الدولة من طرف أخر ، وهي حرب الكر و الفر في أحايين كثيرة ، حيث يحاول كل طرف إنزال أكبر خسائر بالطرف الأخر سعيا إلى تصفيته أو إسقاطه نهائيا ، وأن سعى كل طرف إلى تجنيب المواطن العزل فظائع وويلات مثل هذه الحروب .. على الأقل أن هذه الأنماط كانت هي الشائعة حتى السنوات الأخيرة .. غير إن العراق ابتلي بنوع من الحرب الأهلية منذ 2003 ، ولكن بنسختها القذرة وأكثرها وحشية وقسوة ودمارا على أيدي التحالف ــ القاعدي ــ البعثي ــ ، والمتجسدة أصلا باستهداف المواطنين العُزل وإلحاق بهم أكبر قدر من الخسائر بالأرواح ،و بالدرجة الأولى ، ليس الغاية الأساسية منها ـــ بالضرورة ـــ هي إسقاط الحكومة ، إنما كنوع من عملية إبادة جماعية واجتثاثية مذهبية أو دينية أو عرقية متواصلة و مقصودة ومتعمدة في الوقت نفسه .. إذ لا يمر أسبوع أو أسبوعان أو حتى مجرد شهر ، حتى تحدث عملية إرهابية ضخمة وكبيرة تستهدف هذه الوزارة ، أو تلك المؤسسة الحكومية أو دوائر الدولة أو السجون والمعتقلات أو المدارس و الأسواق أو المباني السكنية ، فتسقط عشرات من الضحايا العُزل ، بين قتيل و جريح ، حيث يتفنن التحالف القاعدي ــ البعثي في اختيار الأهداف الكبيرة و أكثر إثارة واكتظاظا وزحمة بالمواطنين العزل والعاملين المسالمين ، وحيث لم تجف بعد دماء ضحايا تفجيرات طوز خورماتو المتكررة أو التلعفر أو تفجيرات قضاء الدباس ، أو عملية مجزرة الجنود السوريين اللاجئين والعراقيين المرافقين ،التي جرت في الأيام القريبة الماضية ، فها هو التحالف الشيطاني الإجرامي الثنائي يختار مجددا مقرات وزارة الخارجية والعدل وغيرها وتسبب في قتل وجرح عشرات من الضحايا الجدد .. هذا ناهيك عن عمليات إرهابية " صغيرة " تجري في كل يوم تقريبا ، وحيث يُقتل من جرائها بضعة أشخاص " فقط " عبر لاصقات وناسفات !!.. فيا ترى ما هي الحرب الأهلية أن لم تكن هذه بكل صورها ومشاهدها الفظيعة والرهيبة والمتواصلة يوما بعد يوم ؟!.. نطرح هذا السؤال على أولئك الذين يتناولون احتمالات وقوع الحرب الأهلية في العراق ، ليس بدافع الحرص على تجنبها أو التحذير من وقوعها المحتمل ، وإنما بنية عرض " مظلومية وتهميشية " طوائفهم وقومياتهم ،كأنهم بذلك ــ وهذه هي مقاصدهم أصلا ــ يريدون ــ مقدما ــ تبرير وقوع مثل هذه الحرب أو يشجعون ويحثون على وقوعها وحدوثها ، في الوقت الذي فاتهم أن يستوعبوا أو يدركوا ، بأن وقوع حرب أهلية شاملة ، لهي أهون بكثير من هذه الحرب القذرة والقاسية والإبادية المنظمة والتي يبدو أنه ليس من ثمة نهاية لها حتى بعد مرورعشر سنوات على اندلاعها بل أنها تزداد كثافة ونوعية و" نقلة " وهي : حرب الكر والفر أو العمليات الإرهابية الضخمة التي ينفذها ويخوضها التحالف القاعدي ــ البعثي منذ أكثر من تسع سنوات و حتى الآن .. وهنا نقول ونطالب : لتكن الحكومة العراقية ، جريئة و وصريحة بكشف أعداد ضحايا هذا الإرهاب بين قتيل وجريح ومعوق و مفقود ، وذلك منذ بدئه بعد سقوط النظام السابق و حتى الآن .. فسوف نصعق من ضخامة كثرتها الهائلة والتي ستتجاوز حتما عشرات ألاف من الضحايا الأبرياء والعُزل المسالمين والذين اُستهدفوا وقُتلوا بسبب انتمائهم الطائفي أو الديني أو القومي فحسب .. ومن المعروف في السياق بأن السلطات المعنية في الأمر لا تكشف عن الأعداد الحقيقية لضحايا الإرهاب اليومية أو الأسبوعية فتحاول التقليل قدر الإمكان من نسبتها الحقيقية بغية الهروب من الإحراج وتحمل المسئولية ومن نقمة المواطنين .. فنسأل مرة أخرى : ــ فما هي الحرب الأهلية أن لم تكن هذه التي تجري منذ سنوات وحتى الآن ؟! .. فلو أخذت الحرب الأهلية مداها الكامل بين عامي 2006 و2007 لكان الوضع يختلف تماما مما عليه الآن ، ولا كان بإمكان تنظيم القاعدة أو البعثيين أو حتى المليشيات أن تمارس إرهابها المتواصل في الشارع العراقي حتى الآن ، إذ أن الفواصل والحدود كانت ستُحدد بدقة وبشدة وصرامة ، وكذلك الخنادق والاصطفافات المناطقية الطائفية و القومية " النقية " ومعها كانت ستنتهي الاختراقات الأمنيةأيضا ، تماما مثلما الآن في لبنان .. وبالمناسبة فليحاول تنظيم القاعدة تنفيذ عمليات إرهابية ــ ولو لمرة واحدة ــ ضد الشيعة اللبنانيين ، ومن المؤكد أنه سيفشل بحكم صرامة ودقة النظام الأمني المتبع من قبل حزب الله ، والذي لا يثق بأي كان ومهما كان ماعدا بعناصره الأمنية المخلصة والوفية فقط .وهو الحزب الذي (وعلى عكس تماما من أغلب القادة الإسلاميين الشيعة العراقيين المستعدين بالتضحية بحياة عشرات ألوف من الشيعة العراقيين مقابل المال والمنصب ) ، نقول وهو الحزب الذي يمكن أن نقول عنه أي شيء ، ماعدا التضحية بحياة الشيعة اللبنانيين بكل رخص وابتذال .... فلعنة العراق الكبرى تكمن في كون مشاكلها وأزماتها تنتهي دائما بأنصاف حلول هزيلة وبائسة علىأيدي ساسة انتفاعيين ، لتبقى هذه الأزمات معلقة مع استمرارية دفع فواتير و أثمان باهظة و بأرواح وممتلكات فادحة ..
|