أصبحت العولمة globalization موضوعا ساخنا في وقتنا الحاضر فمناصروها يعتبرونها من القضايا الهامة للغاية التي شهدها العالم أما المناوئون فأعتبروها أستعمارا جديدا ليس ألا. ورغم التحديات التي وقفت بوجه العولمة فأنها أضطلعت بدور أيجابي في تغيير حياة الملايين من البشر في أنحاء مختلفة من المعمورة. للعولمة آثار أيجابية تكاد لاتحصى رغم كل التحديات والتداعيات التي واجهتها منذ أنطلاقتها فمناهضو العولمة الذين يهتمون بقضايا مثل التدهور البيئي والتفاوت الأقتصادي وفقدان الوظائف في البلدان التي تتأثر بتبعات العولمة بدأوا يشكلون حضورا فاعلا في المؤتمرات الدولية على أختلاف أنواعها. ولاشك أن القضايا التي يطرحها مناوئو العولمة تتسم بالواقعية ويمكن أن تكون لها تداعيات كارثية مالم يتم التعاطي معها بكل جدية. مع كل ذلك نلاحظ أن منافع العولمة كثيرة وأن الكثير من الدول النامية تستفيد منها. وسوف تقتصر مقالتنا هذه على تسليط الضوء على الجوانب الأيجابية للعولمة والآثار النافعة التي صاحبتها من الناحيتين الأقتصادية والثقافية. فوائد العولمة تعاظم المنافسة أن تحسين جودة المنتجات الناجم عن المنافسة العالمية يعتبر واحدا من أكثر الآثار الجلية للعولمة. ولعل التفكير بالخدمات المقدمة للزبائن وشعار (الزبون ملك) ذو الصلة بالأنتاج قد أدى الى تحسن جودة المنتجات والخدمات. ولأن الشركات المحلية تجاهد كثيرا للتصدي للمنافسة الأجنبية فأنه يتعين عليها أن تسعى جاهدة للأرتقاء بالمعايير المعتمدة لديها وكذلك مستويات رضا الزبائن ليتسنى لها البقاء والديمومة في السوق. ثم أن وصول منتج تجاري عالمي جديد الى السوق المحلية يفسح المجال أمام المنافسة في السوق وهذا يعني (البقاء للأصلح). التوظيف حفزت العولمة الكثير من الشركات الغربية على غزو البلدان النامية مما أدى الى أستحداث فرص عمل كثيرة فيها. بيد أن مثل هذا الأمر يمكن أن يأخذ طابعا أيجابيا أو سلبيا أعتمادا على وجهة النظر التي يتبناها المرء كما أنها أفسحت المجال للأستثمار في تلك الاسواق المتنامية مع السعي للأفادة من المواهب الموجودة هناك. ثم أن البلدان النامية تتصف في الغالب بوجود نقص في رأس المال مما يعيق نمو الشركات وبالتالي يترك آثاره السلبية على التوظيف. وفي ظل مثل هذه الأوضاع بمقدور الناس في البلدان النامية الحصول على فرص عمل مربحة ويعزى سبب ذلك الى طبيعة الأعمال التي بدأت تنحو منحى عالميا غير أن البلدان المتقدمة بدأت تخسر وظائف أيضا بسبب تحول مثل هذه الوظائف الى البلدان النامية وبدأ الناس في البلدان المتقدمة يشعرون بتأثير ذلك عليهم. الأستثمار وتدفق رأس المال توجهت الكثير من الشركات للأستثمار في البلدان النامية ومنها البرازيل والهند من خلال أستحداث وحدات للأنتاج غير أنه يتعين ايضا النظر الى كمية الأستثمار الأجنبي المباشر FDI الذي يتجه صوب البلدان النامية. ثم أن الشركات التي تؤدي أعمالها باتقان تستقطب الكثير من الأستثمار الأجنبي الأمر الذي يعزز من أحتياطيات النقد الأجنبي. التجارة الخارجية لاشك أن التجارة الخارجية تؤثر على الأقتصاد ليس في الوقت الحاضر فحسب أنما منذ أمد بعيد. ورغم أن التجارة قد مورست في الممالك القديمة فأنها قد تجذرت كثيرا بسبب العولمة. وكان الناس فيمامضى يلجأون الى وسائل شرسة بهدف تدمير الممالك والبلدان لنيل مبتغاهم. لكن مثل هذا الأمر يتحقق في وقتنا الحاضر بطريقة أكثر أنسانية أستنادا الى التفاهم المتبادل أما الناس الذين يتصرفون بشكل غير حضاري فيتعين عليهم أن يواجهوا منظمة التجارة العالمية WTO وغيرها من المنظمات الدولية التي ظهرت الى الوجود للسيطرة على النشاطات التجارية للبلدان وتنظيمها. أنتشار المعرفة التقنية رغم الأعتقاد السائد بأن مجمل الأبداعات والأختراعات تظهر في الغرب فأن المعرفة تنتقل ايضا الى البلدان النامية بسبب العولمة لأن عدم الأحاطة بمثل هذه المعرفة سوف يجعل المخترعات الحديثة والأدوية محصورة في بلدانها ولن يستفيد الآخرون من بلدان اخرى منها. ولن تقتصر هذه المعرفة على الجانب التقني فحسب أنما تمتد لتشمل المعرفة الأقتصادية والسياسية التي أنتشرت كثيرا بشكل لافت. ولعل من الأمثلة الساطعة على أنتشار المعرفة عالميا أنتباه الغربيين في الوقت الحاضر للمنافع الناجمة عن الأيورفيدا Ayurveda واليوغا Yoga وهي ممارسات هندية تقليدية في وقت تكتظ فيه السوق الهندية بالمضادات الحيوية الغربية التي تعمل على تحسين نمط الحياة الهندية وأطالة عمر الأنسان هناك. أنتشار الثقافة لايمكن أن تكون الممارسات الأيجابية فحسب لصيقة بحضارة ما فالعالم الذي نعيش فيه اليوم هو حصيلة ألتقاء العديد من الثقافات مع بعضها حيث أن الناس في ثقافة ما والذين يتقبلون الثقافات الأخرى يميلون الى ملاحظة مواطن الخلل في ثقافتهم ويعمدون الى أنتقاء القيم الصحيحة أو تلك التي تتوائم مع الوقت الذي يعيشون فيه. وقد تضخمت المجتمعات بعد أن رحبت بالناس الوافدين من حضارات وخلفيات أخرى وبالتالي أستحدثت ثقافة جديدة خاصة بها. وهكذا أنتشرت أساليب الطبخ واللغات والعادات والتقاليد بسبب العولمة. والشيء ذاته يمكن أن يقال عن الأفلام والأساليب الموسيقية وأنماط الفن الأخرى.
أنتشار التعليم يمثل أنتشار التعليم واحدا من اهم النتائج الهامة التي ترتبت على العولمة ففي وقتنا الحاضر يمكن لأي شخص ان يتحرك بحثا عن افضل المؤسسات التعليمية في العالم دون أية عقبات كما أن بأمكان المواطن الأمريكي أن يشد الرحال الى قارة أخرى ناشدا خبرات جديدة لم يجدها في بلاده. وبأمكان المرء أن يحصل على أختصاص في مواضيع غير متوفرة في بلاده وبعدها يعود أليها لأستثمار تلك المعرفة. ومن الأمثلة الجلية على ذلك ذهاب مدراء أمريكان الى اليابان لتعلم أفضل الممارسات والتطبيقات الخاصة بالأنتاج الوفير mass production ومن بعدها استخدام ماتعلموه من معرفة في وحداتهم الأنتاجية. الاثار القانونية والأخلاقية لم تعد مسألة مقاضاة المجرمين تواجه عراقيل مثلما كان عليه الحال في الماضي فبسبب وجود المحاكم الدولية في أيامنا هذه لم يعد بمقدور المجرمين الحصول على اللجوء في بلد أجنبي حيث أصبح ممكنا اليوم أعادتهم لمواجهة العدالة. وأدت العولمة أيضا الى خلق تفاهم بين الوكالات الأمنية والشرطة في دولتين أو أكثر يتم بموجبه اجتماع المسؤولين لكبح جماح الأرهاب الدولي. وهكذا اصبح بالامكان اليوم ألقاء القبض على المجرمين بصرف النظر عن البلد الذي يلتجأون أليه. بوجيز العبارة ادت العولمة الى تقريب بلدان العالم بعضها مع البعض الآخر بخصوص التعاون الأقتصادي والتجارة. على أن هناك حاجة ماسة للتعاطي مع دواعي القلق التي تجعل من العولمة أداة بيد البلدان المتقدمة مما يجعل لها اليد الطولى على البلدان النامية.ويتعين على قادة العالم أن يعطوا كل بلد حقه الطبيعي بصرف النظر عن مكانته الأقتصادية والعسكرية. أن مانراه اليوم من وجود مواطنين في البلدان المتقدمة فقدوا مصادر رزقهم فضلا عن وجود آخرين في البلدان النامية يواجهون ظروف عمل غير مناسبة وتعويضات محدودة للغاية يمثلون واقع العولمة القاسي. من هنا يتعين على الشركات التي أنتفعت كثيرا على حساب المجموعتين المهمشتين في أعلاه أن تعالج مثل هذا الأمر بحيث تصبح العولمة ظاهرة تحتضن الجميع وليست مظهر أستبداد تتنكر بهيئة الثورة!
|