لاتحتاج الحوادث الكارثية التي حصلت خلال اليومين الماضيين، الى ذكاء لكي نكتشف ان العراقيين يدفعون ثمن غياب الكفاءة والأهم أنهم يدفعون ثمن غياب المسؤولية الوطنية، وقد بدا ذلك واضحا في الطريقة التي تتعامل بها قواتنا الأمنية مع الأحداث الجسيمة، هذه القوات تبدو مرتبكة وخائفة وهي تواجه العصابات الإرهابية وجدناها بالأمس تفرد عضلاتها أمام مواطنين مسالمين ذنبهم الوحيد أنهم صدقوا شعار دولة القانون، الذي ترفعه الحكومة فاذا هم بمواجهة قوات متجهمة ترفع العصي والهراوات بوجه كل من يفكر، مجرد التفكير، بالذهاب الى شيخ التقاة والمتسامحين "ابو حنيفة" إمام بغداد الذي قدم حياته قربانا لمحاربة الظلم والاستبداد. كثيرون ظنوا أن المالكي في ولايته الثانية سيعلي مبدأ الكفاءة والنزاهة في اختيار المسؤولين، ولكن منذ ان تربع على الكرسي ثانية، والوقائع والدلائل تؤكد أن معظم الكوادر الأمنية التي اختارها وقربها بلا أي تأهيل حقيقي سوى خبرة قمع الناس، ومضايقة الفتيات في الشوارع، والسخرية من المواطنين.. وان القائد العام للقوات المسلحة أصر على إعلاء مبدأ أهل الثقة بدلا من أهل الخبرة والكفاءة، وان الملف الأمني يدار بمنطق " الشعب أعداؤنا " بدلا من منطق الامن في خدمة الناس. في الوقت الذي تغلق به جسور بغداد، ويحاصر المواطنون في بيوتهم، ويصدر المالكي اوامره لهيلكوبتراته بالتحليق فوق متظاهري الموصل، نجد وزارة العدل تستباح أمام الجماعات الإرهابية وفي وضح النهار.. فيما المواطن يعيش محاصراً بمسؤولين لا يتوانون عن الدعوة الى إعلان الحرب ضد إخوة لهم في الوطن. في كل يوم يخرج نجد قادتنا الأمنيين يحذرون من خطر اسمه " ابو حنيفة "، وكيف أن وجوده وسط بغداد يهدد الحياة السعيدة التي تعيشها مدن البصرة وميسان والحلة، وقرأنا سيلا من البيانات والشتائم تطالب بتطهير العراق من كل الذين يتظاهرون لأنهم خطر على مستقبل البلاد، وسعى بعضهم إلى إيهام الناس بأن المشكلة ليست في غياب الأمن ولا في أرتال الفاسدين الذين يعششون في معظم مؤسسات الدولة، ولا في غياب أبسط شروط العيش، وإنما في أعداء النجاح المتربصين للانقضاض على المكاسب التي حققتها حكومة المالكي، والتي نجدها صداها في التقرير المثير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية الذي تقول فيه إن عدد القوات الأمنية زاد خلال عام 2010 ليصل الى ما يقرب المليون.. وان الأموال التي صرفت على هذه القوات منذ عام 2004 وحتى العام الماضي يصل الى 30 مليار دولار، وان عوائد النفط تجاوزت أرقاماً فلكية لم يشهدها العراق منذ لحظة تأسيسه، مقابل كل هذا تكشف الصحيفة ان "المخطط البياني المعد وفقاً لإحصائيات منظمة العمل العالمية يشير إلى أن 58.7 % من العراقيين معطلون اقتصاديا بواقع 31.1 % من مجموع الرجال و86.2% من مجموع النساء، في حين سجلت أرقام المفوضية العليا للاجئين أن 1.33 مليون عراقي مهجر داخلياً". ودعونا نتساءل لو أن هذه الأموال الباهضة التي أنفقت ولا تزال في تصنيع صورة مبهرجة لقوات أمنية أثبتت انها ضعيفة الاداء، قد وجهت لمحاولة ترميم البلاد وانتشالها من دروب الفوضى والفقر والتخبط الامني، لكان من الممكن أن لا يطالب ممثل المرجعية الدينية في خطبتة امس من الناس أن لا تنتخب هؤلاء الذين فشلوا في حماية دمائهم ومعالجة الفوضى الامنية. من يتفحص سيناريو المهزلة التي حصلت في وزارة العدل سيصاب بالصدمة والدهشة حين يعلم أنها وقعت في بلد به أكثر من مليون منتسب للقوات الأمنية، وبه رئيس وزراء يتولى مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وقادة امنيون تشع وجوههم بابتسامة النصر، وهم يتهيؤون للحظة القاء القبض على "الإمام أبو حنيفة" بالجرم المشهود، كونه متهم بالوقوف وراء تفجيرات وزارة العدل، القوات الامنية التي قطعت الطرق باتجاه الاعظمية تريد ان تقول لنا لا يخدعنكم التاريخ الذي يقول ان "ابو حنيفة" مات سجينا لأنه رفض محاصرة وقتل أحفاد "الامام علي" فهو مطلوب اليوم بتهمة 4 إرهاب، ويحتاج الى أوراق ثبوت وأدلة تؤكد انه عراقي النشأة والهوى. |