تباهي بالشخص غير المستحق و تناسي المستحق


عرفته سارقا فاسدا لاخر حد، لم يحفظ اي شيء في جسدهو لم يستخدمه في طريق المعصية، فما و فرجا و يدا، استغل الفقير قبل الغني و المظلوم قبل الظالم، لم يدع احدا و لم يسبه و لا فكر او عقيدة يلتزم بها، كل ما في الامر انه من القراصنة و السلابة و النهابة الليليين، كان مشهورا بغاراته الليلية، الى ان عرفت به الحكومة السابقة او كانت تعرف به و غض الطرف عنه للضرورة السياسية، و من ثم لم تحتاجه بعد ان تمدد و تصرف خارج حدود ما سمح له بها . اختلى بنفسه و اختفى لمدة، و من ثم عاد و لم يجلس الا و علم العالم بانه عاد و عاد معه القلق، عاد و حذر الجميع منه . لم يمر فترة طويلة و سمع الجميع بانه اصدرت المحكمة قرارالقاء القبض عليه بتهم عديدة، و في حينه كان سهلا اصدار تلك القرارات بامر البعث، لم يعرف احد من تجرا و اشتكى ام كان المدعي العام هو المشتكي . عندما سمع بذلك او اخبروه فانه هرب و لم يعد، بعد مدة ليست بقليلة سمع اهل الحي بانه التحق بقوات الثورة الكوردستانية، و بعدما اشترطوا عليه الكثير قبلوا به عنصرا ليس منتميا بل منفذا لاوامر تحتاجه الثورة لتسيير امور الثورة، فارسلوه الى المدينة كثيرا لتنفيذ اوامر حزبية، و هو يعود و يدعي تحقيق الملقى على عاتقه سواء كان صادقا و اكاذبا في قوله، رغم الدروس التعبوية و التربية الا انه لم يتثقف الا ببطء شديد، لكنه كان جريئا شجاعا لم يتملص من اي واجب يلقى عليه مهما كان صعبا . فاشتهر بالمخلص و المدافع عن مصالح الامة، و لم يحمل القيم و المياديء الا يسيرا جدا بحيث لم يكن يتسم بثقافة ما و ليس له المام بمعرفة ما يهم الفكر والعقيدة و المنهج الحزبي او الايديولوجيا، فهو انسان عسكري شرير بكل معنى الكلمة، و الثورة تحتاج الى كل انواع المحتجين و المتمردين و المعارضين للحكومة الدكتاتورية .
لقد اهتمت به الثورة بعد نشاطاته التي اقنع بها القادة الكبار، و اصبح اليد اليمنى للمتنفذين في الحركة الثورية، و كم من هؤلاء اخذوا ادوارا بمجرد ولائهم للقائد الاوحد و اصبحوا الة لتخويف الاخرين و المخلب المستعمل في الصراع المتشدد الذي اتسمت به الثورة، رغم الاهتمام بالفكر والقراءة و الالتزام الفكري الفلسفي من قبل الكثيرين من النخبة الثورية، و ما تحتاجه الثورة من النخبة ايضا مثلما احتاجت الى مثل الاخ الشقي .
بعد عدة عمليات عسكرية ضد النظام البائد ارتفعت درجته الى امر مفرزة و هو يقود مجموعة من البيشمركة و منهم الكثيرون الملتزمون بالمبادي و الاسس و الضبط و الربط الحزبي، فهل يمكن موائمة امر هكذا مع منتمين محاربين مؤمنين بالفكر و العقيدة . اختلط الامر كثيرا، و حدث ما كان متوقعا من عدم ملائمة الشغب و التمرد الخالي الوفاض و الجهل مع الايمان الصادق المطلق بالمعارضة و الحزب كتجمع لتحرير البلاد و االهدف المقدس و هو النضال من اجل تحسين معيشة الفقراء قبل غيرهم و خاصة من قبل اصحاب التوجه اليساري، و اصبح الاخ الشقي قائدا في التنظيم اليساري لا يعلم من اليسارية الا اسمها . كما قلنا فان الثورة تستوعب النشط المؤدب الملتزم العقيدي المبدئي مع الفاشل المخرب الجاهل الفوضوي .
اشتهر هذا الاخ و من سمع بنشاطاته من بعيد و لم يعلم تاريخه الذاتي كان يدعي بنزاهته و ايمانه بالقضية و بعمق الفكر الذي يدعيه الحزب و ما تؤمن به الثورة . زاد شوكته و هيبته، و اصبح محل الاحترام والتقدير الجميع، و احتل مكانا مناسبا لعمره، و لكنه بقي هو هو لم يتقدم فكريا او عقيديا بذرة، و كان من يعرفه على اعتقاد لو تتركه حرا في القرى يفعل ما فعله في المدن، و يكرر المآسي التي طالت يداه في احداثها وما ارتكب من ما يشمئز له البدن في سماعه . عمٌر و كبر و احترمته الناس بطلا شجاعا وطنيا مدافعا عن تراب وطنه، و لكنه غير ذلك، و اخيرا مات و دفن مع نفسه كل خزعبلاته و افعاله و ما اقترفه من الخطايا و التي يمكن ان تساوي مع ما نفذ من الواجبات الحزبية الضرورية للثورة، و من يقدر على تقيمه و يصرح بما كان تحمله حياته من تلك التناقضات، انها الثورة الطويلة الامد و بما تحوي و انها هي الثورة التي تستوعب كل تلك التناقضات، و لو قارناه مع من استشهد و لم يتذكره احد و كان من المخلصين المبدئيين و الملتزمين ايمانا و فكرا و مطبقا و منفذا لكل ما يمت بالعقيدة والفكر والفلسفة الانسانية باجمل وجه .انهما شهيدان في طريق الثورة و لكن التاريخ كيف يسجل سيرتهما ؟ و كنت قد سمعت عن تباهي البعض بهذا و لم اسمع عن المستحق للتذكر اكثر من هذا شيئا، فقلت مع نفسي هكذا يُكتب التاريخ .