الفضائية العراقية أم قناة 9

لم تؤسس فضائية "العراقية" لتكون صوتا للحكومة ولسان حالها، حتى وان كانت تحمل صفة رسمية، لأن هذه الصفة تلزمها ان تكون على مسافة واحدة مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا نقصد الاخبار فحسب، وانما كل التوجه العام، لكن عملياً يظهر انحيازها التام للحكومة والترويج لها، الى جانب الصبغة الفئوية الذي تمتاز به.

كنا نتمنى ان لا تتحول الفضائية "العراقية" الى قناة 9 في تلفزيون العراق، بل كان المخطط لها فعلاً الا تكون كذلك، غير انها سلبت كما سلبت الهيئات المستقلة، بعد ان استحوذت عليها الحكومة، واصبحت تستمد قراراتها منها، فيما اصبحت الفضائية "العراقية" فضائية "الحكومة" بامتنان.

كثيرون يشكون من طبيعة الرسالة الإعلامية التي تتبناها الفضائية، ولعلها تعكس في جانب واحد من المجتمع، كما انها تشكل اتجاها واحداً يمثل الحكومة الى حد انها تصطدم في كثير من الأحيان مع اتجاهات أخرى، بشكل يتجاوز مغازلة الحكومة الى اختراق القانون، كما في حالات التشهير التي امتازت به، ازاء متهمين في دور التحقيق، او ربما اتخذت دور القاضي فاصدرت احكاماً مسبقة بحق معتقلين او معارضين.

كان المؤسسون يتطلعون لأن تكون هذه الفضائية، كما هو اسمها، عراقية الهوى والهوية، وهذا يتطلب منها ان تكون قريبة من الجمهور، وهذا لا يعني بالضرورة ان تقف بالتضاد من الحكومة.

لكن ان تكون قريبة من الناس وهمومهم، وتنزل الى ساحاتهم بعيداً عن حالة التسييس الذي حكم برامجها، بل وحتى أخبارها.

ومن اللافت للنظر، أنها لم تجر حتى الآن تغطية شاملة لصلوات الجمعة في المحافظات المنتفضة، مع ان واجب الرسالة الإعلامية لحدث يرتبط بست محافظات يستدعي ان يكون لها حضوراً اساسياً، خصوصاً انها مؤسسة ممولة من ميزانية الدولة، وليس تمويلاً خاصا من احد، بمعنى ان كل مواطن في هذا البلد له نصيب فيها، ما يجعل مهمتها الإعلامية تشمل كل خارطة العراق، وليس جانبا محددا منه، أو اشخاص يديرون مساراً واحداً من الدفة.

ومن هنا، كنا نتابع هذه الفضائية العراقية، وكأنها لايعنيها واقع المتظاهرين، برغم ان التظاهرات تعبر عن ممارسة ديمقراطية ودستورية، قبل ان تكون عملية اصلاح وتصحيح  في مسار العملية السياسية، واذا كانت هذه الفضائية تحرج من ان يكون لها موقف من هذه التظاهرات التي تحمل مطالب مشروعة، من دون ان تهدد كيان الدولة وممتلكاتها منذ اكثر من ثلاثة اشهر، فبالامكان ان تكون مجرد ناقلة لاغير لوقائع هذه الصلوات وتلك التظاهرات من دون ان يكون لها تعليق يذكر!.

لاشك، ان غياب الفضائية العراقية عن ساحات الاعتصام، يشكل خللاً اعلامياً كبيراً، وخسارة لملايين الجماهير ، كان بالامكان ان تسجل حضورها فيه بما ينسجم مع الهدف الذي تأسست من أجله، لتؤكد ان "الاعلام" رسالة لاتخضع لأمزجة السياسيين، ولا تحكم من جهة أو سلطة نافذة، لكنها مع الأسف خالفت هذا الهدف بعد ان تخلت عن برنامجها الإعلامي، لتصبح مجرد واجهة لأصحاب القرار.

وهذه كارثة، عندما يقولب الإعلام، ويتحول الى دائرة حكومية، تنفذ ما يصلها من تعليمات وأوامر ، فيما ان هدف الرسالة ينبغي ان يبدأ من الجمهور وينتهي اليهم ايضاً.

وفي الوقت الذي كانت الدعوات توجه الى الحكومة ومجلس النواب الى حضور ساحات الإعتصام ومشاركة المتظاهرين في تظاهراتهم والاستماع الى شكاواهم لتلبيتها، لتفعيل العلاقة بين الحكام والمحكومين على وفق المنهجية الديمقراطية التي 

ندعي تبنيها، صدمنا بأن الفضائية الرسمية تنأى بنفسها عن التواصل مع جمهور المتظاهرين، بل تتبنى رؤية الحكومة للتظاهرات، وتحاول تشويه صورتها.

ماذا بقي من "العراقية"، وماذا تحمل من "رسالة"؟ .. هذا السؤال الذي ينبغي ان نطرحه للنقاش، قبل ان تتحول الى قناة 9 في تلفزيون العراق.