في مفهوم الشهادة |
لا انت - ولا انا ايضا - تتحمل تبني الفهم الخاطىء للشهادة ، الذين يتحملون مسؤولية ذلك ، هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه اما لمآرب شخصية او لسوء فهم وكلاهما وبال على البشرية . لا اعرف سبب ان يتمنى الانسان المسلم على الله ان يرزقه الشهادة وهو لم يحقق منجزا في شهادته هذه ، ما يعني انه يطلب من الله ان يحقق له ما يتمناه عدوه . ومن كلفة هذا الفهم الخاطىء الباهظة ، ان الشهادة اصبحت هدفا بينما هي رتبة رفيعة تكتسب نتيجة للجود بالنفس خلال مواجهة ، وهو اقصى غاية الجود . اسألك بالله لو ان الحمزة "ع" خُير قبل ان يُقتل ويمثَل به في تلك الفاجعة الجاهلية ، لو خير - جدلا - بين ان يَقتل عدوا آخرَ لله ورسوله ثم يُقتل ، ماذا سيكون رده !!! ماذا لو خُير في منحه فرصة اخرى في الحياة لخوض معركة اخرى يستأسد فيها دفاعا عن الحق ثم يُقتل ، ماذا كان سيكون رده ؟ لا شك لدى اي مسلم مؤمن في ان لقاء الله هو خير مما يجمعون ، لكن ماذا سيفعل الله بمثل هذا اللقاء اذا رحل واحدنا عن هذه الحياة و هو لم ينصر حقا أو يخذل باطلا . و اذا سمحت لنفسي في طرح هذا التساؤل الجدلي على مسامعكم ، فاني ساتطفل مرة اخرى واسمح لنفسي بطرح تساؤل آخر : مَن هو الاقرب الى الله في تحقيق شرعته السمحاء ، مَن ذب عن الحق فقَتل ثم قُتل ؟ ام آخر يدعو ربه آناء الليل واطراف النهار ليرزقه الشهادة فيدهمه الموت الداعشي في حي من احياء بغداد المستباحة ؟ حقا ، يكاد معنى الشهادة الحقيقي ان يتسرب من بين اصابعنا - او هو تسرب فعلا - لغياب او تغييب الصوت الواعي المسؤول عن كشف الحقيقة الناصعة لهذا المفهوم الاسلامي الملىء بالشجاعة والايثار والتضحية والمقرون بتكبيد العدو . تابعت خطيبا منبريا يدعو اتباعه وكلهم من الشباب الى التعمد في السير بالطرقات المحفوفة بالمخاطر لان الشهادة الحقة تنتظرهم هناك . وبدلا من ان يعبىء خطيبنا هذه الشريحة المتحمسة لاعداد ما استطاعت له من قوة لمواجهة عدو متربص في كل منعطف ، وهو افضل الجهاد ، اراه يدفعهم الى موت سهل كالاضاحي من النوع الذي لا يسر صديقا ولا يغيض عدوا . ارى ان الامام الحسين "عليه السلام " كان على بينة من امره بان صدى شهادته المفجعة وآثارها الانسانية ستترك دويا يلف العالم بدءا من عام واحد وستين للهجرة وحتى غد باذن الله مرورا باليوم . اما ان يفهم من الشهادة بانها مجرد تجرع كاس الموت بيد عدو فهذا لعمري انتحار من النوع الذي يعين العدو على الصديق ، لا الصديق على العدو . تصوروا لو ان الله - جل وعز - استجاب لدعواتنا جميعا في نيل مثل هذه الشهادة - وحاشاه - اليست النتيجة هي الانقراض الذي يتمناه العدو و يدعو ربه لتحقيقه !!! لماذا حزن النبي محمد "ص" كل ذلك الحزن السرمدي على رحيل سيد الشهداء عمه حمزة " ع" رغم ان هذا الشهيد البطل ابلى بلاء حسنا وضرب امثلة اسطورية في الشجاعة والجرأة والحاق الضرر باعداء الاسلام ، وأدى دوره الرسالي بعبقرية فذة ، وخير دليل على ذاك ، ذلك الحقد الدفين الذي كانت تضمره امُّ خال المؤمنين هند بنت عتبة ؟ لماذا يحزن الرسول "ص" على فقد من نال لقب سيد الشهداء ؟ اليس هو الوسام الارفع ؟ ثم لماذا كل هذا الاستياء الذي ابداه النبي ازاء صاحبة الرايات هند وقد كانت السبب الرئيس في تحقيق شهادة عمه ؟ لماذا كان النبي محمد "ص" يذكّر الامام عليا "ع" المرة تلو المرة وبكل اسى بان لحيته ستخضب من دم جبينه الطاهر ، قبل ان يلقى الله ؟ لماذا بكى الرسول في غير مناسبة وهو يداعب سبطه الشهيد الحسين "ع" ، حتى ان الروايات المؤكدة "احداها منقولة عن عائشة" بانه كان ينتحب و الحسين يمرح في حضنه الشريف ، والجميع يعلم ان النحيب هو مرحلة متقدمة على البكاء ، وقلما انتحب الرسول الكريم "ص" في حياته حسب علمي . يروى ان الامام عليا "عليه السلام " لم يمتط حصانا في معاركه رغم انه فارس الحلبات ، وقيل في تفسير ذلك انه لا يحتاج للفرس في القتال فهو لا يطارد عدوا هاربا ، ولا هو ممن يؤخذ غيلة من الخلف لحذره الشديد ، وهذا منتهى الفروسية والفتوة . والامام قاتلَ لله لاكثر من خمسة عقود ولم يذكر عنه انه دعا الله ليقتل في معركة قبل ان ينُزل غضب الله ورسوله بساعديه الأعبلَين على رؤوس ابي سفيان و أعوانه و حفدته اللئام . اذا استطعت ان تقتل عدوا او حتى تلحق به ضررا وتستشهد غدا ، فذاك افضل عند الله من ان تستشهد اليوم دون ان تحرك ساكنا - ولو معنويا - في صفوف العدو . الاعمار كلها في كتاب مسطور لا يعلم حينها الا بارؤها ، ولا يقدمها طلبُ شهادة ، ولا يؤخرها عضٌ على الدنيا بالنواجذ . والله لا يردع احدا - رغم قدرته المطلقة - عن استخدام السكين في نحر عدو ، او في انتحار . فقد هدانا السمع والبصر والفؤاد وعلينا ان نحسن استخدامها لان كل ذلك كان مسؤولا ، وفيما عدا ذاك فانه الكفران المبين بالنعم ، اعاذنا الله واياكم منه
|