وقفة مع الدكتور عبد الجبار العبيدي في مازق الفكر الاسلامي .....الحلقة الاولى

 

المقالة فن .

هكذا عودتنا الابجديات الادبية التي تعلمناه ودرسناها على اختلاف في طبيعة المقال بين كونه مقالا ادبيا او مقالا علميا , حيث يكون الجانب الشخصاني الاشد ظهورا في الاولى دون الثاني . اما في الثاني فشخصية الكاتب تكاد تكون معدومة , او مختفية ان صح التعبير . نعم يمكن ان تحصل عملية استدراج كتابي للقارئ من خلال اعتماد الحواريات, او الجانب القصصي , لايصال الفكرة . وهذا ماعتمده الكثير من الكتاب كما كان يفعل المرحوم محمد جواد مغنية , و خالد محمد خالد , و طه حسين في بعض ادبياته التاريخية . والكل من دون استثناء يشترك بالبناء الهرمي للتسلسل الموضوعي للفكرة , حيث عادة ماتعتمد كل مقالة على مقدمة وحدث _يمثل الجانب الدرامي _وخاتمة , وبين هذه العناصر الثلاث تتشكل الصورة الذهنية لكل قارئ .

ولفت انتباهي مقال للدكتور عبد الجبار العبيدي عن مازق الفكر الاسلامي في قبالة الفكر المعاصر, وفرغت له الفؤاد فرحا بالابتعاد عن داعش وماعش ,وماقيل او يقال فيهما ؛ لانه حقيقة ذكرني بايام زمان , ايام كانت هناك مطارحات فكرية , ويوم كان للكتاب مكانته وقيمتة وضريبته المادية والجسدية . فعلا انها مقالة رائعة ابتعدت عن الضجر الفكري والاجتماعي لسترخي في بحار المعرفة , وان كانت الثمرة التي نشدها الدكتور ابعد من المقدمات التي طرحها .

لاشك ان أي قارئ يقرا مقالة الدكتور المحترم يجد بعض الرموز التي كتبها الدكتور وهي كثيرة بطبيعة الحال , تستحق البحث والتنقيح, ابتداء من قضية القضاء والقدر, والحرية , والدولة, الى قضية المراءة, الى جدلية المفاهيم المنطقية . فهو خاض في اكثر من موضوع, وفي اكثر من اشكالية , بعضها ينطوي تحت منظومة فقه السياسة , وبعضها ينطوي تحت المنظومة الفلسفية, وبعضها ينطوي تحت المنظومة المنطقية, وبعضها ينطوي تحت منظومة الحقوق الى البعد التاريخي , فعلا كانت كوكتيل فكري معرفي غير مرتب بامتياز , والغريب ان هذا الكوكتيل المعرفي اختزل الجانب الجنائي فيه في الفقهاء فقط دون غيرهم , حيث ومن خلال هذه الفوضى المفاهيمية انتقل الدكتور الى تجريم الفقهاء من دون أي مقدمات.

واني لاجل الدكتور عن هكذا تعويم لايليق بحضرته المحترمه , وان كان مصطلح الدكتره هو من حق الفقهاء ,وهذا الشي مثار العجب بعد ان استكثر البعض ان يرى مصطلح الشيخ الدكتور , كما صرح جواد علي الطاهر في كتابه منهج البحث الادبي ص 31 . حيث كان يطلق لفظ الدكتور على الحاخامات اليهود المختصين بالشؤون الالهية , ثم بعد ذلك استعملته فرنسا في ثلاث كليات هي : الالهيات ,والطب ,والقانون .

ورفضت استعمال لقب الدكتور في الانسانيات ,الا بعد الثورة الفرنسية , والكلام هنا لجواد علي الطاهر. فالدكتور هو العلامة والفقية _ بما يقابل المركزية التي يعيشها الحاخامات في دينهم _ لدينا لاغير وان كنا قد استعملنا هذا المصطلح بلحاظ ما ال اليه مؤخرا , بعد ان اخرجت فرنسا الالهيات او اللاهوت من جامعاتها .

فالمسائل الكلامية التي ذكرها الدكتور الاستاذ من القضاء والقدر والحرية, وشكل الدولة ,والنظرية السياسية قد اشبعها الفقهاء والمتكلمون والفلاسفة بحث وتنقيبا .

ان المطالع لفهارس اسماء الكتب التي خاضت بهكذا مواضيع سوف يجدها اكثر من الهم على القلب هذه الايام , على اختلاف المدارس الفكرية قديما وحديثا , واضع خطا احمر تحت عبارة اختلاف المدراس الفكرية , التي يبدو لي ان الدكتور اجملهافي طرحه . وقد وصل الكثير فيها الى قناعات معروفة يمكن ان نوضحها للدكتور لو رغب بهذا الشئ .

ولاينقضي العجب من قول الدكتور عن العجز الفقهي لدى الفقهاء المعاصرين عن مواكبة أي منتج فكري معاصر, ورسائلهم العملية تضج بفقه المسائل المستحدثة , واتمنى من الدكتور ان يلقي نطرة بسيطة فقط في فقه المسائل المستحدثة ؛ لتنجلي لديه بوضوح ان القوم لم يتفرجوا على الساحة الفكرية _ وخصوصا الفقهاء _ مكتوفي الايدي من دون ان يدلوا بدلوهم في أي قضية فكرية , من تلقيح صناعي , او حكم بنكي ,او حقوق مجازية حقيقة .

لا اعلم حقيقة كيف صرح الدكتور بذلك من دون مراجعة كتب القوم ,وان كان الفقيه غير ملزم بالمؤامة بين المنتج الفكري او الصناعي ومنظومته , وخصوصا فيما لو وقع هناك تعارض بين المنظومة النصية وهذا المنتج .

وان كنت ارغب من الدكتور ان يبتعد عن المنتج الفقهي النصي حتى لانقع في مشكلة السند والدلالة , ونكتفي بتاصيل الحدود العقلية التي تشكل ارضية مشتركة بين كل العقلاء , لكل الديانات, ولكل الافكار , وحتى لانقع في مهزلة البعد الطائفي في بحثنا . وهذا مانحاول الهرب منه قدر المستطاع وقد نوفق لذلك وقد لانوفق , وخصوصا ان القواعد العقلية غير قابلة للتخصيص .

نعم لعل الدكتور المحترم لم يقصد الجنبه الفقهية بل الجنبة الكلاميه , وهو الظاهر من قوله ؛ لانها تتعلق بالفكر . وهنا ازداد حيرة حقيقة عن سر تحميله للفقهاء المسؤولية ؛ لان الموضوع ليس من اختصاصهم, بل من اختصاص المتكلمين والفلاسفة فقط , وهذا لايمنع ان يكون الفقيه متكلما ايضا , والعكس صحيح .

ولا اعرف أي انقسام حصل بين الدين والدولة قد نشى من عدم الجزم بقضايا كالقضاء ,والقدر ,او الحرية ,او شكل النظام السياسي يتحمل مسؤوليته الفقهاء , تمنينا ان يوضح الدكتور هذه النقطة بالذات .

ولازالت الحاجة موجوده لايضاح هذه المسؤولية الجنائية التي ارتكبها الفقهاء بحق المجتمع والمواطنين ؛ لعلنا نشاطره الراي في تحميل الفقهاء المسؤولية ايضا فيما لو تمكن الدكتور المحترم ن اثبات ذلك .

اتوقف هنا لعل الدكتور المحترم تكون له وقفه مع ما ذكر وسوف نكمل الحديث بعون الله في مناقشة المقالة الاولى ثم نناقش ماتفضل به في بحث نظرية المعرفة ولا انسى ان اتقدم بالشكر الجزيل لجناب الدكتور المحترم على اثاراته الفكرية وله محبتي واحترامي ...... يتبع انشاء الله