رفع الحصار، وأخذ العراقيون يتطلعون الى عيشة مرفهة، بعد سنين عجاف، وزاد حماسهم وهم يتابعون ارتفاع اسعار النفط، يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة، وبدأوا يطالبون باستحقاقاتهم المؤجلة من النفط، ولاسيما بعد ان اصبح العراق يحقق موازنات انفجارية ، بفضل النفط وحده طبعا، غير ان احلام البسطاء من عموم الشعب في تحقيق ذواتهم، وبناء حاضرهم ومستقبلهم، تلاشت شيئاً فشيئاً، أمام مافيات الفساد، التي لها في كل "قاصة" يد، وفي كل مؤسسة من يدير اعمالها، وتراكمت الملفات ، لكن غض البصر عنها ، وبات الناس يحاكون انفسهم :"حاميه حراميه"، وفيما عبّر الكثيرون ممن طمغهم سوء الحال، ولازمهم التقشف وضيق العيش، ممن لم يطولوا بلح الشام ايام الاشتراكية ، ولا عنب اليمن في عصرنا الزاهر، عن واقعهم الذي لم يتغير ، بتغير الاحوال ، بذاك المثل المأثور :"لاحظت برجيله ولا خذت سيد علي". وكان من بين هؤلاء ، من هو على استعداد للتنازل عن الكثير، وتسليم الجمل بما حمل ، لكن مقابل ان يعيش في بحبوحة ، او حتى أقل من ذلك، وهو في الوقت نفسه لا ينكر عليهم سرقاتهم، لكنه يطالبهم بافنصاف :"بوكوا بس خلونه نعيش". سنوات عشر ، كان فيها حلم العراقيين يتبدد ، من البطاقة التموينية التي حسب لها وكتب، واستهلك من اجلها المسودات ، على قاعدة "يكولون" ، الى حصة المواطن الموعودة من النفط، التي ظلت حبراً على ورق، فيما كان الشارع يشهد ولادة اثرياء من المال السحت، والمشاريع الوهمية ، والصفقات المشبوهة، والمال السايب، على قول اخواننا المصريين "يعلم السرقة"، وهكذا مال الميزان واعوج ،"ناس بالعلالي ، وناس ..."، حتى كانوا وكنا ، شعب فقير، واثرياء لهم في كل قطر "فلة" او "شقة" او مشروع استثماري ، من دون ان يلتفتوا التفاتة الى الفقراء ، حتى ولو كانت على طريقة احمد عدوية "حبة فوق وحبة تحت". ودارت الدنيا دورتها، وهبطت اسعار النفط من دون مقدمات، وخرج من خرج لينظّر لما حصل ، غير مستبعد تلك النظرية التي تربى عليها، "اكو مؤامرة"، ونضيف عليها توابله المعتادة : "انكلو – امريكية – صهيونية"، بينما وضعت الحكومة خطتها الستراتيجية العاجلة لاعلان حالة التقشف من دون ان تحمّل نفسها مسؤولية السياسات الخاطئة التي جعلت اقتصاد البلاد ريعي، يعتمد على النفط فقط، هنا تذكروا الفقراء ، والمعدمين ، ليشاركوهم في قرار التقشف، ، وهكذا حشر ابن الخايبة في أزمة الموازنة ، فيما خابت آمال اولئك المنتظرين على طوابيرالتعيين ، واصحاب العقود ، وانتاب الخوف اصحاب الدرجات الدنيا على رواتبهم، ودخل المتقاعدون في حالة الإنذار، واخذ الخوف يعتري ذاك الذي يدبر عيشته يوم بيوم، خشية من ارتفاع جديد للاسعار ، مع صعوبات الحياة التي تحاصره من كل مكان، واختلتت موازنات اصحاب الدخول الواطئة ، ومن بلا دخل اصلاً، فيما ظل الفضائيون وسراق مال الشعب، واصحاب الدرجات الخاصة و"الباية" الاخيرة من السلم يتنعمون بخيرات البلاد ، من الموازنة المشطوبة!!، من دون ان يشعروا بلهفة الفقير ولا خوفه من تدهور اسعار النفط وارتفاع نسبة العجز في الموازنة المقبلة ، مع انه لم يدخل بجيبه فلس احمر من النفط ، ولا من ثرواته الانفجارية، لكن، كما يقول المثل :"واللي ما خلّه شي ما كاله": "بخيرهم ما خيروني وبعجزهم عمّو عليّ"، مع الاعتذار لأبو المثل على التلاعب ، لكن للضرورات احكام
|