لم تكن وسامة ليوناردو دي كابريو، ولا سحر الحسناء كيت ونسليت هي التي جلبت الانتباه لضحايا السفينة الغارقة قبل 98 عاما. وانما احترام الانسان، وتدوين معاناته، والاعتزاز بذكراه، في الغرب، هي التي جعلت من تلك المأساة القديمة مادة حية، ومصدر الهام لمبدعي الادب والفنون الحديثة. ولولا تدوين الحادثة وتوثيقها لما انتج فيلمهما السينمائي الذي كلف اكثر من تكلفة بناء السفينة نفسها..
عندنا في العراق حدث مأساة تايتانيك اخرى، ليست بعيدة زمنيا، فكلنا قد سمعنا عنها، وشاهدنا بعض صورها في وسائل الاعلام، بعد غرقها في العام 2001، لكننا لم نسمع، منذ ذلك التاريخ، كلمة تابين بحق الضحايا، او استذكار لماساتهم.
لا انتظر من الدوائر الرسمية، الحكومية، بالطبع، ان تؤرشف هذه الماسي، فهي تدار من قبل سياسيين انتهازيين انانيين لا تشغل بالهم مصائر الناس وماسيهم بقدر ما تهمهم مصالحهم المادية، وارصدة بنوكهم العامرة.
ولا انتظر من وسائل الاعلام، وما اكثرها هذه الايام، ايضا، ان تستذكر الحادثة التاريخية، فجل اصحابها هم من خدم السلطان، مسخرين لخدمة الجهات التي تدفع لهم وتدس في جيوب محرريهم الصكوك المصرفية، واخر حدث يمكن ان يمر على خاطر هؤلاء المترفين هو الالتفات لمصائب المعدمين الناس.
الا ان الغريب هو انصراف النخب المثقفة عن تذكر هذه الوقائع، من الادباء، الى مبدعي الفن التشكيلي، الغائبون الحاضرون في المجتمع العراقي، الى المطربين... فلو فتشت زوايا الفن العراقي، وبحثت فيه من تأوهات كاظم الساهر شرقا، الى انأنات باسم الكربلائي غربا، فلن تجد فيها من اهتز له وتر في المخيلة....
في العام 2001 ابحرت سفينة صغيرة، بحمولة بشرية يبلغ وزنها اضعاف ما تستطيع تحمله، من الشواطئ الجنوبية لاندنوسيا باتجاه القارة الاسترالية، وعلى متن هذا "الزورق" السفينة، مئات الهاربين من جحيم الوطن، وهم يرسمون في مخيلتهم حلما على وشك التحقيق.
365 انسان على متن تلك التايتانيك العراقية. جلهم من العوائل التي جاءت بكامل افرادها، اصبحوا في لحظات قليلة طعما لاسماك المحيط، في واحدة من اكثر ماسي الفقراء رعبا.
ولم تثر شهقات الموت الاخيرة لهؤلاء، اهتمام السياسيين، ولم توخز ضمير الادباء والفنانين.. ولم تحاول الجهات اعلامية توعية العوائل المهاجرة بخطورة السفر بالزوارق غير المرخصة، وبالاعيب المهربين وجشعهم، من اجل انقاذ الباقين، فهنالك مئات الالاف من الذين ينتظرون ذات المصير.
وبسبب هذا التجاهل فقد كانت المأساة تتكرر، على الدوام، وعلى سبيل المثال، في حادث مشابه، وقع في العام 2013 (27 ايلول) غرق 21 عراقيا، كان كل فرد فيهم قد دفع للمهربين مبلغ 10 الاف دولار. في العام 2012 (27 حزيران) غرقت سفينة مشابهه بعد اسبوع من غرق سفينة اخرى في نفس المنطقة. وفي العام 2010 (17 ديسمبر) غرق 48 شخص قبالة شواطئ جزيرة كريسماس الاسترالية. ورغم وجود مئات الالاف من المهاجرين، الذين ينتظرون دورهم، دون دراية كافية، ودون وعي بمخاطر عملهم، لم الحظ من تذكر هذه المأساة، ومن يحذر منها، سوى الصديق وليد القطبي في منشور صغير على كروب "مفكرون كورد فيليون" في الفيسبوك.. فله باسم الضحايا، وعوائلهم، وركاب تايتانيكات المستقبل المجهولة، منهم، الشكر.
|