ارتكب رئيس الوزراء العراقي "المعزول" رغم انفه جرائم كبرى لا تعد ولا تحصى طوال سنوات حكمه الثمان المشؤومة, إلا انه لازال حرا طليقا وبمنأى من المحاسبة والمحاكمة. ولعل اول تلك الجرائم هي خيانته العظمى عبر إصداره الأوامر للقطعات العسكرية بالإنسحاب من مدن الموصل وتكريت وكركوك وضواحيهما, مما مكن تنظيم داعش الإرهابي من إحتلال قرابة ثلث أراضي العراق بأسرع من لمح البصر.
وقبل ذلك الأحتلال الإرهابي فإن المالكي فشل في إعداد جيش عراقي قوي أو أجهزة امنية بالرغم من انه أنفق أكثر من 200 مليار دولار على الدفاع طوال سنوات حكمه وبمعدل 25 مليار دولار في العام الواحد. ولايبدو ان تلك الأموال الضخمة قد انفقت على الدفاع, فلا أسلحة متطورة يمتلكها الجيش ولاتوجد قوات عسكرية حقيقية على الأرض, علما بأنه يمكن بتلك الموازنة بناء جيش قوي يشار له بالبنان في المنطقة.
وإذا أردنا العودة الى الوراء قليلا والى العام 1985 وعندما أبرمت السعودية مع بريطانيا صفقة اليمامة لتزويدها بالأسلحة والتي بلغ مقدارها 86 مليار دولار أمريكي والتي اعتبرت حينها من أكبر الصفقات في تاريخ بيع الأسلحة, فإنه يمكن معرفة مدى الفساد في العراق على صعيد المؤسسة العسكرية. فتلك الأموال انفقت على صفقات أسلحة وهمية او أسلحة فاسدة كما حصل في زمن وزير الدفاع الأسبق العبيدي, أو أنها خُصّصت لمنتسبين وهميين كما كشف مؤخرا.
وهكذا فقد ذهب جل تلك المخصصات الى جيوب الفاسدين وبحماية مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية نوري المالكي. اذ وفقا للمقررات الرسمية فإن صلاحية إمضاء عقود كبيرة كعقد الأسلحة الروسية مثلا هي من صلاحيات رئيس الوزراء حصرا.
ولم يتوقف الفساد على الدفاع فقط بل شمل جميع مرافق الدولة, وأولها بعد الدفاع ملف الطاقة. حيث تم انفاق اكثر من 50 مليار دولار ولم تتم إضافة 1 ميغا واط الى الشبكة الوطنية علما بأن 10 مليار دولار تكفي لحل مشلكة الكهرباء بالعراق وهي تمثل كلفة انتاج 10 غيغا واط هي حاجة العراق الكلية من الكهرباء. وهناك ملف البطاقة التموينية سيء الصيت والذي هيمن عليه اتباع المالكي وفي طليعتهم وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني الذي ادانته ثم برأته محاكم التفتيش المالكي.
ويبلغ حجم الفساد في هذا الملف قرابة 50 مليار دولار طوال السنوات الثمان الماضية. وتتعدد جرائم المالكي التي لاتعد ولاتحصى ومنها إصداره أوامر بقتل المتظاهرين وتسخيره القضاء لأصدار احكام تعسفية بحق معارضيه كما حصل مع وزير الأتصالات السابق محمد علاوي ونائب رئيس البنك المركزي وغيرهم.
ولايبدو المالكي اليوم بصدد مراجعة نفسه او التوقف عن ارتكاب الجرائم وكانت آخر جرائمه هي تأثيثه لمكتبه بمبلغ 23 مليار دينار عراقي أي ما يعادل قرابة 20 مليون دولار أمريكي. فالنائبة ماجدة التميمي عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي كشفت عن أن نائبين من نواب رئيس الجمهورية الثلاث أنفقا ذلك المبلغ لتأثيث مكتبيهما. الا انها لم تحدد من هما النائبان وفي ذلك تجاوز قانوني وأخلاقي.
فهناك نائب بريء الا انها وضعته في دائرة التهمة لأنها تركت الأمر عائما وبلا تحديد مع علمها باسمي النائبين وفي ذلك تجني على ذلك النائب وهوتصرف بعيد عن الشفافية والأخلاق. وعند تحليل الوقائع فيمكن وبسهولة معرفة من هما النائبين. فالنواب الثلاثة أولا لم ينفي أيا منهم الخبر عدا النائب أياد علاوي فيما صمت النائبان الآخران صمت اهل القبور.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الدكتور أياد علاوي لا يسكن المنطقة الخضراء ولا يحتل أيا من قصورها كما يفعل المالكي بل يسكن في بيته في منطقة الحارثية ومنذ ان كان رئيسا للوزراء بعد سقوط النظام عام 2003. ولذا فهو ليس بحاجة لتأثيث مكتب. كما وان أياد علاوي الذي حكم العراق لمدة بضع أشهر فقط لم تثر حوله أي اتهامات بالفساد لأنه أساسا شخص ناجح ومتمكن ماديا وقبل توليه للمنصب, ولذا فإن نفسه ليست بالدنيئة كما هي عليه نفوس آخرين عاشوا الحرمان وهم لا يتمتعون بأي مؤهلات سوى عمالتهم لهذا الطرف او ذاك ولذا فانقضوا على الدولة العراقية انقضاض النسر على فريسته.
لقد كشفت هذه الواقعة الأخيرة مدى استهتار المالكي وعدم حيائه, ففي الوقت الذي يعاني فيه العراق من عجز في الموازنة يدفع ثمنه موظفوا الدولة فإن المالكي يؤثث مكتبه بمبلغ 20 مليون دولار! في الوقت الذي يرأس فيه حزبا إسلاميا يدعي السير على نهج علي من أبي طالب الذي يقول" أأبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع".
وهكذا يثبت الماكي يوما بعد آخر مدى بعده عن القيم الإسلامية والإنسانية وهو يتمادى يوما بعد آخر في فساده لأنه امن المحاسبة والعقاب, ولاشك بان بقائه على رأس حزب الدعوة يشكل ضربة قاصمة للحزب ولتاريخه النضالي, فهذا الحزب يكاد يصل اليوم الى مرحلة الإنهيار ما لم يبادر الخيرون فيه الى إنقاذ ما تبقى للحزب من مصداقية وذلك عبر إقصاء المالكي من الأمانة العامة وتقديمه للمحاكمة, وبغير ذلك فإن حزب الدعوة شريك للمالكي في كل جرائمه, فالسكوت عن الجريمة جريمة بحد ذاتها ودليل على الرضا وفي ذلك نهاية وسقوط للحزب لن تقوم له قائمة بعده أبدا.
|