(حلبجة) تشهد عليكم

   استهجن نــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، مقارنة خطيب (المنصة) في احدى ساحات الاعتصام، الحكومة العراقية مع حكومة (اسرائيل) بشان ما ادعاه من اغلاق الاولى للمساجد وعدم فعل الثانية ذلك، بالقول:

   اولا: فان الحكومة العراقية لم تغلق مسجدا واحدا في اية منطقة من مناطق العراق، وذلك بشهادة ائمة المساجد انفسهم، وان ما ادعاه الخطيب المذكور لم يعد اكثر من تهمة بلا دليل، متمنين في نفس الوقت ان لا يتحول اي مسجد في العراق الى (مسجد ضرار) للتامر على الشعب العراقي وتخزين الاسلحة لقتل الابرياء وتدمير البنى التحتية، كما حصل ذلك في اكثر من مرة خلال السنوات الماضية.

   ثانيا: شخصيا، استغرب من مثل هذا الخطيب، كيف يجرؤ على اطلاق مثل هذه التهمة بلا دليل، فيما كان قد تلفع بصمت اهل القبور ازاء جرائم نظام الطاغية الذليل صدام حسين عندما دمر، بعيد انتفاضة العراقيين في شعبان (آذار) عام 1991 في مدينة كربلاء المقدسة لوحدها اكثر من (200) مسجد وحسينية، بعد ان زرع المتفجرات والديناميت في زواياها الاربع؟.

   لماذا لم يستنكر ما رآه العالم بام اعينه، عندما اعتدت قوات الطاغية الذليل على مرقد سيد الشهداء الامام الحسين بن علي واخيه ابا الفضل العباس عليهم السلام في تلك الفترة؟ لماذا لم نسمع منه حسيسا عندما فجر الارهابيون مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء المقدسة، وبتلك الطريقة التي تعدت على حرمة الامامين والمرقدين الشريفين؟ ام انه لم يسمع بكل ذلك ولم ير شيئا من كل ما سقته من حقائق، ولكنه سمع جيدا بهذه التهم التي يسوقها اليوم بلا تثبت او دليل حقيقي؟ ام ان الاعتداء على حرمات الله تعالى كذلك تشمله المحاصصة والتمييز الطائفي، فمساجد مقدسة واخرى غير مقدسة؟.

   ان هذا النوع من الخطاب الطائفي هو المسؤول الاول والمباشر الذي يقف وراء اراقة دماء العراقيين الابرياء، ولولا وجود مثل هذا الخطاب التحريضي الذي يشجع على التمييز والطائفية والحقد والكراهية بين ابناء الشعب الواحد، لما تجرأ الارهابيون على التعدي على حرمات الله تعالى فيقتلون الانسان الذي كرمه الله تعالى ويفجرون المساجد والكنائس ومختلف دور العبادة الاخرى، والتي لها حرمة بلا تمييز.

   واضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث يوم امس على الهواء مباشرة لبرنامج (حدث وحوار) من اذاعة طهران باللغة العربية، بشان اصرار البعض على التورط بدماء العراقيين من خلال التشبث بالخطاب الطائفي البغيض:

   برايي، فان وراء مثل هذا الاصرار ثلاثة دوافع:

   الدافع الاول؛ هو حقد من يتبنى هذا الخطاب على كل شئ اسمه العراق والشعب العراقي، ولا غرابة في ذلك، فهناك عناصر موتورة ومازومة لا تحب الخير للعراق ابدا، وان تزيت بلباس (اهل الدين) ولهذا السبب فانهم يرقصون فرحا اذا ما تخاصم عراقيان او قتل الارهابيون الابرياء من الشعب العراقي.

   انهم لا يقدرون على رؤية العراق مستقرا ينعم اهله بخيراته، في ظل نظام سياسي ديمقراطي، يضمن للمواطن حياة حرة وكريمة، ولذلك فهم يبذلون جهدهم من اجل تدمير العملية السياسية الجديدة او على الاقل وضع العصي في عجلاتها.

   الدافع الثاني؛ هو ان امثال هؤلاء لم يستفيقوا بعد من الصدمة التي شهدها العراق والمنطقة والعالم بسقوط الصنم في بغداد، والبدء بمرحلة سياسية جديدة تعتمد صندوق الاقتراع الذي يفرز حكم الاكثرية.

   انهم يتصورون ان بامكانهم اعادة عقارب الساعة الى الوراء مرة اخرى بمثل هذا الشحن الطائفي، لتعود الاقلية تحكم الاكثرية في اطار سياسات التمييز الطائفي والعرقي البغيض، وهذا امر ترفضه الاغلبية التي عانت من سياسات النظام البائد ما عانته، مثلما حدث في مدينة حلبجة الشاهدة الشهيدة والمقابر الجماعية والانفال وعمليات تنظيف السجون وغير ذلك.

   اما الدافع الثالث؛ فان هؤلاء ينفذون اجندات نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، والذي يحاول، منذ عقد من الزمن، تدمير العملية السياسية، لانه يعتبرها خطر محدق به كون الديمقراطية ووسائلها وادواتها تتناقض مع اسس وقيم وقواعد نظام القبيلة.

   ان المحرضين على الطائفية والعنصرية في العراق يقدمون خدمة مجانية لنظام القبيلة الفاسد، لانهم سبب للتحريض على العراق الجديد وقواعده الديمقراطية، ولذلك فهم ادوات بيد نظام القبيلة تنفذ اجنداته وما يصبو اليه شاؤوا ام ابوا، ارادوا ذلك او لم يريدوا.

   عن الذكرى (25) لجريمة الطاغية في مدينة حلبجة الشاهدة الشهيدة، قال نــــــزار حيدر:

   ان هذه الجريمة البشعة، وشهداءها الابرار وضحاياها الميامين يشهدون على اثنين:

   على النظام البائد وما فعله بالعراقيين عندما رفضوا سياساته العنصرية والعدوانية، وهي علامة بارزة على وحشيته ودمويته، ما ينبغي الحذر من عودتها تحكم في العراق الجديد.

   وعلى السياسيين اليوم، فيما اذا تعلموا من تجربة الحكم الشمولي البائد ما يجنب العراق والعراقيين خطر العودة الى المربع الاول، لتعود الاقلية تحكم بسياسات التمييز العنصري والطائفي.

   انها تشهد على السياسيين ما اذا تعلموا من التجربة كيف يجنبون العراقيين تكرار مثل تلك الجرائم التي ارتكبها النظام الشمولي ضد الاغلبية في المقابر الجماعية وحلبجة والانفال وغيرها.

   ان استذكار الجريمة لا ينفعنا شيئا اذا لم نتعلم منها كيف نحمي انفسنا من تكرارها، ولا تنفع شيئا اذا لم تكن درسا لحاضر آمن ومستقبل افضل، ولا تنفع شيئا اذا ظل البعض يصر على تكرار الخطاب الطائفي والعنصري المتشنج والمحرض، في نهاية المطاف، على احتمال تكرار مثل تلك الجرائم البشعة.

   في نفس الوقت، فان ما حصل في حلبجة البطلة استهدف كل العراق وكل شعبه وليس شريحة دون اخرى او منطقة دون اخرى، لان النظام بتلك الجريمة اراد ان ينبه كل العراقيين الى انهم سيواجهون مثل هذا المصير الماساوي اذا واجهوا سياساته العنصرية والطائفية، ولذلك فان العراق، كل العراق، معني باستذكار هذه الماساة من اجل ان تظل تدق في عقولنا وضمائرنا ومشاعرنا ووعينا ناقوس الخطر حتى لا نغفل عن العلل والاسباب التي انتهت بحلبجة ان تعيش تلك الماساة.

   تاسيسا على هذه الحقيقة، يجب ان لا يستغل احد هذه الماساة والاتجار بها لابتزاز الاخرين، فمهما عظمت الماساة وكبرت تضحياتها، فلا ينبغي ان تتحول الى تجارة لدى البعض يستدرون به عطف الراي العام والتمسكن للتمكن ولابتزاز شركاء الوطن، والضغط عليهم من اجل التعدي على حقوق الاخرين.

   ان الاتجار بالماساة على حساب حقوق الاخرين هي ماساة بشكل آخر، وهو ظلم من نوع آخر يجب ان لا يتورط فيه شركاء الوطن الواحد، فكلنا اليوم في قارب واحد، اما ان يسلم كله او نغرق جميعا.

   بشان اقرار قانون الموازنة والاعتراض عليه كونه صدر بالاغلبية، قال نــــزار حيدر:

   انها لم تكن المرة الاولى التي تصدر فيها القوانين بهذه الطريقة، حصل ذلك عندما اقر قانون الهيئة المستقلة للانتخابات، وكذلك عندما اقر قانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث، فلماذ نقبل بحالات ونرفض حالة؟ يجب ان نتعامل بشفافية مع كل الحالات، اذ لا يعقل ان يشل عمل مجلس النواب ويتوقف عن تشريع القوانين لارضاء كل من يحجز مقعدا تحت قبته.

   ان مجلس النواب بحاجة احيانا الى ان يلجا الى اصدار قوانينه بالاغلبية عندما يشعر ان التوافق يعرقل عمله، وهو الامر الذي كان يجب ان يعمل به البرلمان منذ البداية، ولو انه كان قد فعل ذلك، لما تعطلت عشرات القوانين، الامر الذي اثر سلبا على اداء مؤسسات الدولة، وتاليا على مصالح الناس وحياتهم.

   17 آذار