منذ ان خلق الله العراق وهو يدفع من دم ابناءه ثمنا لشعارات فارغة من المعنى ، ومنذ ان وجد الانسان على هذه الارض ودمه ارخص من الكلام، لأن هناك في الباب دائما عنترة بن شداد معاصر يقف شاهرا سيفه ويسوقنا كالاغنام الى حربه هو لاحربنا نحن. فالملكيون طردوا الاف العراقيين اليهود بحجة عدم عراقيتهم لكن اليهود المهجرين استمروا بارتداء السدارة البغدادية في تل ابيب في الوقت الذي كنا نحن نصفهم بالطابور الخامس. ومن اجل محاربة الصهيونية اسقط البلاط الملكي الجنسية عن صالح الكويتي الذي لحن نصف الاغاني العراقية التي نعرفها. ثم جاء عبد الكريم قاسم وقال اننا يجب ان نحارب الاستعمار والرجعيه، ولم نحقق النصر المرجو لاعلى الاستعمار ولا على الرجعية لكننا خسرنا الجواهري الذي ضيق عليه قاسم ودفعه للهجرة حتى مات في مقبرة الغرباء بدمشق بعد ان ساهم الذين جاءوا بعد قاسم في اقصاء الجواهري وقتل روحه، ولم يلبث رفاق قاسم حتى انقلبوا عليه ليحاربوا بنا الامبريالية والشعوبية، وفي نفس الوقت يعتقلون عالم الفلك العملاق عبد الجبارعبد الله الذي يقال انه تتلمذ علي يد البرت انشتاين ويدفعوه للفرار من العراق . ويسمحوا بأن يموت السياب وحيدا فقيرا يائسا في الكويت. ثم جاء البعث ليفتح النار على الجهات الاربع ، فخضنا ثماني سنوات من الموت اليومي المجنون من اجل كرامة الامة العربية والدفاع عن بوابتها الشرقية، ومات منا مليون عراقي من اجل صد الريح الصفراء . ثم فجأة ضربنا الامة العربية عرض الحائط وقمنا باحتلال الكويت فداء للقدس وللكرامة ، ثم نسينا هذه الكرامة على الطريق الصحراوي الذي قطعه جنودنا سيرا على الاقدام من الكويت الى العراق. وحين وصل الجيش المهزوم الى بغداد كان تلفزيون بغداد يردد طوال اشهر ان القائد "يقول" اننا انتصرنا. ولم نهضم هذا الانتصار التلفزيوني حتى جاءتنا سيول من الشعارات الزائفة التي جعلتنا نحرق العلم الامريكي في تظاهراتنا وندوس على صورة جورج بوش الاب، وفي نفس الوقت نسمح لمفتشي الامم المتحدة بالدخول الى دهاليز ومخادع القصر الجمهوري والبحث تحت بنطلوناتنا عن صاروخ العابد. ثم جاء الحصار لنأكل النخالة المخلوطة بالتبن والتراب من اجل ان تبقى كرامة الامة التي لم تصمد طويلا امام الجوع والعري والفاقة حتى كفرنا بالوطن الذي جعل من الشيعة رعاة جاموس من اجل نقاء العرق، واطلق النكات المهينة على الدليم بعد شاركوا في انتفاضة محمد مظلوم الدليمي.وطرد الجبور من المناصب العليا بعد محاولة انقلاب بعض ضباطهم حفاظا على سلامة الحزب القائد. وهجّر الفيليين دفاعا عن التبعية العثمانية ، وحارب الاكراد دفاعا عن العروبة، وسرق قومية التركمان من اجل ميشيل عفلق. وقمع الشيعة والسنة دفاعا عن النظام الذي حارب ايران دفاعا عن الحكام العرب. ثم اتهم الحكام العرب بالعمالة والخيانة والشذوذ. وبعدها أحتل الكويت دفاعا عن النفط ، ثم منح النفط الى رغدة وعبد الباري عطوان . وحارب العشائر دفاعا عن اوهامه الحزبية وحارب رجال الدين والمثقفين والفنانين وكل النخب دفاعا عن الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة. كفانا كذبا على انفسنا ولنؤمن بأن كرامتنا وعزتنا تكمن في الحفاظ على آدميتنا وتحقيق متطلبات الامن والتعايش والعيش الكريم وعدم السقوط اسرة لفخ الشعارات الزائفة التي يريد البعض خداعنا بها ودفعنا الى اتون معركة تأكل ماتبقى من اعمارنا التي أكلتها الحروب . كفاكم سعيا وراء الشعارات ايها العراقيون، فشعاراتنا مطاطة وزئبقية لدرجة لاتتصورونها. كانت مهرجاناتنا ومرابدنا وصحفنا وفرقنا الحزبية تؤكد اننا كسرنا انف امريكا وفي نفس الوقت كان نصف قرن من العسكرة والتوجيه المعنوي ومعسكرات الضبط و"استاعد واستاريح واتنكب سلاح" تهرول امام دبابتين نزلتا على جسر الجمهورية ، ونتحدث عن دحر الغزاة على اسوار بغداد في الوقت الذي كنا نشاهد فيه الحرس الرئاسي على التلفزيون وهم يخلعون ثيابهم العسكرية ويفرون بالملابس الداخلية . وكانت اولى خسائرنا العزة والكرامة والدم العراقي. ثم جاءت شعارات الديمقراطية وفصل السلطات والمواطنة وتساوي الحقوق التي كان كل ساتنا يتحدثون بها كتحلية بعد جولة مفاوضات حول حصة الطائفة والقومية. ثم جاء جيل من الذباحين والارهابيين والساعين لفصل الخيار عن الطماطة ليملأوا شوراعنا بالدم واليافطات السوداء التي تنعى الاحبة من العراقيين بكل طوائفهم، وهم يرفعون شعارات الدولة الاسلامية التي تبنى بجماجم عمال المساطر وطلاب المدارس وزوار سيدي الحسين. عزة الانسان العراقي تكمن في تمتعه بحقوقه التي كفلها الله له وكفلتها قيم الانسانية والحس السليم ، وكرامته تكمن في ان يجد بيتا وطعاما وامنا ووظيفة واستقرارا في بلده الذي يكفل له الامن والحرية والرخاء والاحترام. وان لايعيش مهددا من اي احد . اما الذين يريدون ان يصلوا الى السلطة "برؤوس الفقرا" فعليهم ان يراجعوا انفسهم . صناديق الاقتراع موجودة والذي يريد ان يغير فعليه ان يجمع الاصوات الكافية للتغيير. لا ان يقود البلاد الى معركة تأكل الاخضر واليابس ، مللنا من الحروب والأقتتال ومللنا من جمع جثث ابنائنا من دائرة الطب العدلي. ومللنا من رؤية تلك التوابيت القادمة من نهر جاسم والبسيتين وام الرصاص وحلبجة وحفر الباطن وطريق ابو غريب ومن خلف السدة ومن اللطيفية وغيرها . كرامتنا كعراقيين تصبح على المحك حينما نرفع بنادقنا بوجه بعضنا البعض، اي كرامة تبقى حينما يركب سياسي مهزوم على ظهورنا مستغلا اي موجه او اي قطار ليصل السلطة. اي كرامة تبقى حينما تستغل مواقف مدفوعة الثمن لتهشيم الوحدة الوطنية . اي عزة تبقى حينما نحل مشاكلنا بالاحذية . اي عزة تبقى حينما يطيح رجل دين شاب متحمس باحث عن مريدين، او شيخ عشيرة باحث عن النفوذ، او سياسي باحث عن الاصوات، او مقاول سياسة باحث عن المال الخليجي او التركي القذر بكل عقود التعايش والمصاهرة والمصالح والامال المشتركة. هل من العزة والكرامة ان يصبح مصيرنا كعراقيين مرهونا بمجرد فتوى يطلقها رجل مخابرات او رجل امن او شويخ قادم من وراء الحدود .هل من العقل ان ندفع ثمن حماقة وجشع بعض السياسيين الذين فشلوا في الأبقاء على مناصبهم بالطرق السياسية فعمدوا الى احراق الارض ومن عليها . كرامتنا ان نعيش معا ويقبل بعضنا البعض الاخر. وعزتنا تكمن في ان ننهض لمسح غبار المعارك واصلاح الخراب الذي خلفه سعينا لان يصبح كل واحد منا عنترة بن شداد في زمن يسعى فيه العالم لان يعيش بسلام ورفاهية . هل نسيتم ماذا فعل بنا عنترة بن شداد؟
|