بين الكاف والنون |
أن نجر اجسادنا على حسك السعدان مسهدين ونحن نقرأ ما نكره ، اولى لنا ثم اولى من ان نهدر ساعات تلو ساعات في قراءة ما نحب . قراءة ما نكره اضافة نوعية ، اما قراءة ما نحب اهدار غبي للوقت يشبه مغازلة حبيبة سبعينية تزعم انها عشرينية تلتهم في كل ست ساعات حزمة من حبوب الضغط و الكولسترول و النقرس و السكر . من منا تأمل في واعية محمد "ص" وهو يقول : "المغبون من تساوى يوماه" . وهو حري بان يكون خاتم الانبياء لو اكتفى بهذه العبارة فقط لانها كون برمته مخبوءا في اقل من اربع كلمات . يلقي علينا الشعراء من بنات مخيلاتهم الجامحة ، فيستقر ما يقولون نصوصا مقدسة في ادمغتنا ، نتوارثها كابرا عن كابر وبكل زهو ثم نختلق فرصا في حواراتنا لنستشهد بتلك النصوص كدليل دامغ على سعة اطلاعنا بالادب العربي . كم كتبت ادعية ونظمت اشعار في أمر الله المحصور بين حرفي الكاف والنون . وسال حبر اكثر في تفنيد ذلك ، كون القرآن الكريم قال بصريح العبارة : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ... وبهذا الفهم المبسط للاي القراني يتحول رب العالمين الى مواطن عربي يتحدث بلغة الضاد و العياذ بالله . المفكر الايراني "سروش" اثار في سلسلة محاضرات فكرية ، فكرة مفادها لو ان القران الكريم كان قد نزل في فترة اعقبت الزمن الذي نزل به على النبي محمد "ص" لكان نزل باسلوب آخر يتماشى مع فهم ذلك العصر . لست بصدد الدخول في جدل عقيم لابد ان يجر الى جدل اكثر عقما حول خلق القران ، لكنني اقولها بحزم وجزم ان لغة القرآن خاطبت العربي بمستوى فهمه آنذاك ، وهذا سر من اسرار ابدية الكتاب المنزل . انظروا الى وصف الجنة فكل ما فيها من مغريات يدغدغ شهية العربي آنذاك فهو محصور بين البطن والفرج . خمر و عسل و كواعب اترابا . كل مؤمن بالاديان السماوية الحقة على يقين بان الله محيط بعلم الماضي كما هو محيط بعلم الساعة ، والزمان - كما المكان - مطوي بيمينه ويعلم ما ستتفتق عنه مخيلة الانسان من ابداع في حقول العلم والتكنلوجيا . ترى ماذا كان سيحدث لو ان القرآن تحدث لعرب الجاهلية عن الحاسوب ويوتيوب وفيسبوك والانترنت اكسبلورر وووو !!! القرآن تحدث بلغة العرب آنذاك فاتهم الرسول بالجنون والسحر ، ترى كيف لو انه تحدث لهم بلغة اليوم الالكترونية ، هل سوى ان تجدهم سكارى وما هم بسكارى ؟ من اخذ " كن فيكون" بمدلولها الحرفي فقد نسب لله عزوجل مخاطبة الاشياء باللغة العربية وهذا نوع من التحديد الشوفيني ، ومن حدّه فقد عدّه "علي - ع" . حتى وان اخذنا بالمدلول الحرفي فان القران الكريم يقول ان الفعل الالهي يقع بعد انهاء حرفي الكاف والنون "كن" وليس بينهما ، لكننا تجاوزنا هذا المدلول لنتقوّل على الله فنضع الحدث بين الحرفين ، فهل ثم تحريف للكلم الرباني عن مواضعه اكثر من هذا !!! الانسان مغرم بالزمان لانه يعتقد بان بقاءه او فناءه الجسدي مرتهن بهذا الزمن ، وحب الخلود هذا دفع الانسان الى ان يسقط رؤيته الضيقة للزمن على رب العالمين . الثانية والدقيقة والساعة واليوم وما تلاها هي مواقيت وضعها البشر لتنظيم معاشه ومع شيوع الاستخدام ظننا انها مواقيت نزلت من السماء الى الارض . لذا فاننا نصعق عندما نقرا " وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ " . ومن نافلة القول ان الف سنة الواردة هنا هي للكثرة وليست للتحديد ، بالضبط مثل " ان تستغفر لهم سبعين مرة " . الانسان برؤيته المحدودة ينظر الى خالقه وكانه خلق الارض فقط لذا فهو ينظر الى اليوم باعتباره اربعا وعشرين ساعة والى الارض باعتبارها مركز الكون مع انه ثبت ويثبت يوما بعد يوم ان الارض اصغر مما نتصور وهي تسبح كهباءة في هذا الفضاء غير المتناهي . الله لا يحتاج الى حرف او حرفين ليجري مشيئته على خلقه فالمشيئة او فلنقل الارادة هي عين الفعل ولا يحتاج الباري الى زمن بمفهومنا الضيق لتحقيق ذلك ... فلا كاف ولا نون انما هما حرفان جىء بهما لتقريب الفكرة للانسان الذي يظن انه كل شيء في هذا الكون بينما هو لا يزال عاجزا عن فك ابسط رموز في لغته ، مر على نزولها اكثر من الف واربعمئة عام . كل عام وانتم ترفلون بتاجي العافية والامان
|