كوبا والولايات المتحدة وانتهاء أسطورة العدو

في 11 أكتوبر (تشرين الأول)، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» افتتاحية ذات مغزى عنوانها «ينبغي على أوباما إنهاء الحصار على كوبا».

ورد فيدل كاسترو، زعيم الثورة الكوبية، على الفور في مقال نشره في صحيفة «غرانما»، أكد فيه تأييده وتقديره للمقال الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز».

كان خطاب أوباما حول إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا إيذانا ببدء فصل جديد في التاريخ الحالي للعلاقات بين البلدين، فبعد مرور 54 عاما من الحرب الباردة بين البلدين، وبعد مرور 54 عاما من قصة الجميلة والوحش، أقدم أوباما على قرار مهم يقضي بإعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا.

في عام 1959، تغلب فيدل كاسترو بجيش عصابات على حكومة فولغينسيو باتيستا الكوبية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة. كانت ثورة غير متوقعة داخل «الفناء الخلفي» لأميركا، لأن المسافة بين ميامي وكوبا أقل من 333 ميلا!

خلال الفترة ما بين 1960 - 1961، أقدمت كوبا على تأميم الشركات الأميركية دون تقديم تعويضات، فكان رد الولايات المتحدة هو قطع علاقاتها الدبلوماسية معها وفرض حظر تجاري. من الناحية الاقتصادية، واستنادا إلى غرفة التجارة الأميركية ووزارة الخارجية الكوبية، كلف الحظر التجاري الذي استمر 54 عاما اقتصاد كل من كوبا والولايات المتحدة 1.1 تريليون دولار و60 مليار دولار على الترتيب. ومنذ ذلك الحين، لم يقم 11 رئيسا أميركيا متتابعين بإعادة النظر في العلاقات مع كوبا. ولكن حدث في جنازة مانديلا في جنوب أفريقيا، أن تصافح الرئيسان أوباما وراؤول كاسترو وكانا ودودين تجاه بعضهما البعض. وكان ذلك إيذانا ببداية فصل جديد بين البلدين، علاقة بين فيل وطائر روبن أحمر الصدر!

لقد تحمل الشعب الكوبي عبئا لا يطاق على مدى 54 عاما. بعد تنحي فيدل كاسترو، فشلت ما تعرف بإصلاحات راؤول في ملء الجيوب أو إشباع البطون، فالمهمة والمسؤولية الرئيسية لكل الحكومات تتمثل في خلق بيئة مريحة للحياة لشعوبها، ولكن الحكومة الكوبية فشلت في القيام بذلك.

عندما كنت عضوا في البرلمان عام 1981، قمت بزيارة إلى هافانا للمشاركة في الدورة (68) للاتحاد البرلماني الدولي التي عقدت هناك. التقيت مع فيدل كاسترو، وكتبت أكثر من 40 مقالا عن كوبا. ما أتذكره بوضوح هو أنه لم يكن أحد يبتسم في كوبا في ذلك الحين. كان الأسى والحزن يعلو وجوه كل أطياف الشعب، وخصوصا الرجال والنساء الذين في منتصف العمر وكبار السن. كان البقاء على قيد الحياة، والعيش في حياة عادية يعتبر تحديا كبيرا بالنسبة لهم.

ألقى كاسترو خطابا طويلا مدته ساعتان في الجلسة الافتتاحية للاتحاد البرلماني الدولي. وكان خطيبا مفوها وشخصية استعراضية فريدة من نوعها، ولكن، كانت وجوه الشباب ونقص الغذاء والحرية في كوبا بالنسبة لي أكثر أهمية من شعارات ووعود كاسترو وحركاته الراقصة التي كان يقوم بها أثناء إلقاء خطابه.

وفي 18 ديسمبر (كانون الأول) 2014، كتبت يواني سانشيز - وهي مدونة كوبية شهيرة – مقال رأي في صحيفة «هيرالد تريبيون» بعنوان «جالوت يفتح محفظته»، قالت فيه: «دون قتال، تحرك داود، والابتسامة ترتسم على وجهه، نحو جالوت، الذي كان على وشك أن يفتح كيس نقوده. لقد انتهت أسطورة العدو. وبدأ واقع التعايش الصعب». وفي واقع الأمر، تتشابك شعوب العالم بأسره وتترابط اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا عن طريق شبكة الإنترنت و«فيسبوك» والأقمار الصناعية والهواتف المحمولة ودور السينما والفن والأدب.

بمعنى آخر، نحن نواجه حاليا عمليات غزو جديدة! فالسائحون والتجار والمستثمرون ووسائل الإعلام والبضائع قادمون! انظر إلى الصين على سبيل المثال. خلال العقود الأخيرة، لم يقتل أي جندي صيني خارج حدود الصين، ولكننا نستخدم المنتجات المصنوعة في الصين في جميع الأوقات، بما في ذلك الهواتف وأجهزة الكومبيوتر المحمولة.. إلخ.

يعني هذا أننا نعيش في عالم جديد – لا عليك من تنظيم داعش وطالبان، فهما مثل الجرح الذي وسم وجه التاريخ، ولكنه حتما سينمحي ويزول إن عاجلا أو آجلا. إنهما مفارقات تاريخية. أوضح فيتغنشتاين أنه من الخطأ أن نقول 2 + 2 = 5، ولكن إذا كان هناك شخص آخر يقول 2 + 2 = 79 فهذا شيء آخر. وتنظيم داعش هذا يعتبر شيئا آخر.

في هذه الصفحة الجديدة والأجواء الجديدة، سمعنا كلمة قديمة للرئيس الكوبي. لقد قال راؤول كاسترو وكأنه بطل عتيق ينتمي إلى العالم القديم، يتراكم الغبار الكثيف على رموش عينيه: «لقد انتصرنا في الحرب، وهذه ليست نهاية الحكم الشيوعي في كوبا!».

من الغريب أنه يبدو أن راؤول كاسترو لا يرغب في تغيير أفكاره بعد مرور 5 عقود. لقد انهار الاتحاد السوفياتي وسقط سور برلين، وشكلت الصين هوية جديدة لنفسها. لقد أصبحت الشيوعية في عصرنا مفارقة تاريخية. وعندما يصر على الشيوعية، فهذا يعني أنه سيكون هناك غياب للحرية، وغياب للانتخابات الحرة والنزيهة في كوبا في المستقبل.

كجزء من الوفد الإيراني الزائر لماناغوا، قال لنا دانيال أورتيغا، الذي فاز في انتخابات عام 1984 إن فيدل كاسترو زاره قبل أسبوع. وخلال زيارته، قدم كاسترو 3 نصائح لأورتيغا، فأشار عليه بأن يتعلم درسين من الثورات الكوبية ودرسا من الثورة الإيرانية. يعتقد كاسترو أنهم ارتكبوا خطأين استراتيجيين في كوبا. أما الأول، فهو حربهم ضد الدين، والآخر، هو تأميم الصناعات والمزارع والبنوك والشركات! وقال له: «لا تكرروا أخطاءنا»، أما الدرس المستفاد من الثورة الإيرانية فهو تحاشي خربشة وجه أميركا بمخالب! كان من الواضح أن كاسترو يقوم بدور المعلم لأورتيغا.

أعتقد أنه ينبغي على الرئيس راؤول كاسترو أن يدرك أنه بعد مرور 54 عاما، ينبغي على كوبا أن تغير جلدها، وينبغي على راؤول أن يعلم أننا نعيش في عالم جديد. لقد ماتت أسطورة العدو واندثرت. ونحن نبغي السعادة لشعوبنا، وينبغي أن يتمكن الشعب من النظر إلى مستقبله بأمل وابتسامة. ينبغي أن يتمكن الشعب الكوبي من الحياة في بيئة مريحة. أريد أن أطلب من كاسترو أن يتجنب تكرار الأخطاء التاريخية. إذا كان لنا أن نتخيل فيدل كاسترو كأنه البطل سانتياغو في رواية «العجوز والبحر» فلم يعد في يديه سوى الهيكل العظمي لسفينة كبيرة، وهي الشيوعية!