سمعت من احد المشايخ الاجلاء في العراق وهو الشيخ محمد الكسنزان قدس الله سره قولا ربما استقاه من علوم الصوفية الاوائل او قد انفرد به في ان الصراط المستقيم صراط من اجتازه في الدنيا اجتازه في الاخرة ومكثت مع تلك المقولة طويلا اراجعها كي افهم معناها وبعد بحث وتمحيص رايت ان هذا الجسر المروي في الاحاديث انما هو جسر غير مادي انما هو تشبيه لحالة المؤمن في الدنيا وهو يعبر شهوات نفسه ويقتلها ويتغلب عليها وليس لهذا الامر اي تشبيه في الاخرة وهذا ما ساعرضه في هذا المنشور يقول الله تعالى في كتابه الكريم اهدنا الصراط المستقيم ويعني الصراط هنا هو الطريق القويم المؤدي الى النجاة في الدنيا والاخرة ووردت كلمة الصراط المستقيم في غير موضع من القران الكريم لتدل على هذا المعنى , لكن شاع في الناس وبسبب احاديث وردت في الصحاح على ان الصراط هو جسر يربط بين جهنم والجنة وهو احد من السيف وامور اخرى مرعبة جدا تفضي الى ان المؤمن لا بد له من السير على هذا الصراط المستقيم ليرى تلك الاهوال الفظيعة وهو يعبر جهنم عذاب الله تعالى ولكن دعونا نبحث هنا لنعرف هل ان عقيدة الصراط المستقيم كجسر ما بين الجنة والنار هي عقيدة صحيحة او على الاقل تتوافق مع القران الكريم ؟ في اطار بحثي لهذا المفهوم رأيت ان هذه العقيدة لا تتفق مع ايات كثر من القران الكريم وقبل ان ابدأ بطرح تلك الايات اود هنا الاشارة الى قوله تعالى والتي استدل بها البعض على وجود هذا الصراط الا وهي اية {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }مريم71 والعلة هنا في الورود اذ ظن الناس ان ورود النار هو دخولها ولكن الورود لا يقتضي الدخول الزاما فيقول الله تعالى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23 والورود هنا لا يقتضي الدخول الى الماء ولكن ليس هذا الامر فحسب ان هذه الاية جاءت في معرض الحديث عن الكافرين فتقول َوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72} اما القول بان اية وان منكم الا واردها تتبع ب ثم ننجي الذين اتقوا فنقول بان ثم هعنا ليست للتابع انما هي لاستئناف وصف حال نفر اخر من الناس وبحسب ما نعرضه من ادله فيما بعد يقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }الأنبياء101 ويقول ايضا {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ }الأنبياء102 فمن خلال التوفيق بين تلك الايات نرى ان الورود هنا لا يشمل المؤمن , ولكن المؤمن ايضا له نصيب من جهنم ولكنها جهنم الدنيا فقد تصيبه الحمى وهي حظ المؤمن من نار جهنم يقول الرسول عليه افضل الصلاة والسلام " الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة " ذكره الألباني في " السلسلة الصحيحة " : فقال وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد قوي ، و يزداد قوة بالشواهد الآتية بعده ، فهو حديث صحيح ، و فضل الله أكبر . اهـ . ثم ذَكَر من شواهده : " الحمى كِير من جهنم ، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار " .
وهذا رواه الإمام أحمد ، وقال الأرنؤوط : حسن لغيره .
وفي حديث رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ ، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ . رواه البخاري ومسلم . وفي حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ . رواه البخاري ومسلم .
فالمؤمن يصاب بلفح جهنم في الدنيا تكفيرا عن ذنوبه كما ان معيشة المؤمن في هذه الدنيا هي معيشة في جهنم فقد قال النبي الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وعلي اي حال نرجع الى تفنيد ما ذكر عن الصراط كجسر بين الجنة والنار ان الله تعالى يبشر المؤمنين بدخول الجنة في حياتهم وعند اول الممات وفي اول ساعات يوم القيامة يقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30 ويقول تعالى ايضا {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103 والكثير من الايات التي تثبت بان المؤمن لن يكون فزعا في يوم الحساب بل سيكون يوم مسرة ويوم فرح عظيم له فهو سيأمن من النار ومن حسيسها وهي النار العظيمة التي تلهف من يقترب منها فكيف بمن يمر بها ؟ وان الايمان بان الصراط هو ذلك الجسر يقتضي ان جهنم تكون كالخندق الذي يسقط فيه الكافر ولكن في الحقيقة ان الكفار لا يسقطون في جهنم بل انما يدخلونها من ابوابها السبع يقول الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ }الزمر71 ويقول ايضا عن ابواب جهنم {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }الحجر44 فضلا عن ان الدخول الى جهنم لن يكون من ابوابها ولكن دخولها سيكون جماعيا وليست هي تلك الصورة المنقولة لنا عن سقوط الناس فرادى في جهنم يقول الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ }الزمر71 كل هذه الادلة تثبت بطلان تلك العقيدة من الاساس ... كما ان هناك العدبد من الادلة الاخرى التي سنوردها في مقالنا القادم ان شاء الله عن مكان النار
|