زعموا أن رجلين، أحدهما خبيثٌ والآخر مغفل. عقدا شراكةً بينهما. فبينما هما يتمشيان مسافرين في الريف إذ وجدا صرةً فيها ألف دينار، فأخذاها ورجعا متوجهين إلى مدينتهما. فلما أصبحا قريبين من المدينة قال المغفل للخبيث: خذ نصفها وأعطني نصفها. فقال الخبيث، وكان قد أضمر أن يأخذها كلها: "لا.. فإن من واجبي أن أنصحك بما فيه مصلحتك.. وذلك أن يقبض كل واحدٍ منا بضع دنانير قليلة لينفقها في حاجاته، وندفن بقية الدنانير في مكانٍ حريز، فإذا احتجنا إليها عدنا وأخذناها". فوافقه المغفل على ذلك، ودفنا صرة الدنانير تحت شجرةٍ كبيرة ضخمة، وبعد يوم رجع إليها الخبيث فأخذها كلها وانصرف. وبعد أسبوع لقيه المغفل فقال: أخرج بنا إلى وديعتنا فلنقبضها. فانطلقا إلى ذلك المكان، فاحتفراه، فلم يجدا شيئاً. فراح الخبيث يندب وينتف شعره ويدق صدره ويقول: "لا يثقن أحدٌ بأحد. أنت رجعت إليها فأخذتها". فكان المغفل يحلف له أنه ما فعل ذلك. ثم أمسك الخبيث بتلابيب المغفل وذهب به إلى القاضي فقص عليه الأمر. فسأله القاضي: "هل من يشهد؟". قال: "نعم.. الشجرة تشهد لي بما أقول". فأنكر ذلك عليه القاضي أشد الإنكار، ثم قال لهما: ارجعا إلي غداً لنذهب معاً على تلك الشجرة فنسألها. فانصرف الخبيث إلى أبيه وأعلمه بذلك وقال: إني لم أقل ذلك إلا لأمر قد خططت له جيداً. فإن أنت طاوعتني أحرزنا المبلغ الذي أخذناه، وأضفنا إليه مثله من المغفل. فسأله أبوه: وما هي خطتك؟ أجاب: إن تلك الشجرة الضخمة جوفاء، فيها مدخلٌ لا يرى، فأنا أحب أن تذهب الليلة فتدخلها، فإذا جاء القاضي فسألها تقول أنت: "المغفل أخذ الدنانير". قال الأب: يا بني. رب امرىءٍ قد أوقعه مكره في ورطةٍ مهلكة. قال: لا تخف.. فإن الأمر يسير. وظل الخبيث يغري أباه حتى أقنعه، فذهب فاختبأ في جوف الشجرة. فلما جاء القاضي ورجاله والشريكان ووصلوا إلى المكان، سأل الشجرة فسمع من جوفها صوتاً يقول: "إن المغفل أخذ الدنانير". فاشتد عجب القاضي، وطاف حول الشجرة فلم ير شيئاً. فأمر بإحراقها بنارٍ عظيمة جمعوا لها حطباً كثيراً. فلما دخل الدخان على الأب المختبئ، ووصل إليه وهج النار تصبر وتصبر إلى أن صاح مستغيثاً، فأخرج بعدما أشرف على الموت. ثم عاقبه القاضي وابنه، فمات الأب وانصرف به ابنه يحمله ميتاً، ورجع المغفل وقد أخذ الدنانير كلها. وإنما ضربت لك هذا المثل لتعرف أن الخديعة والمكر ربما كان صاحبهما هو المغبون أي الخاسر
|