[المشهد الثاني]
[نفس المكان] (ترفع الستارة) (الجنديان متمددان،صوت يشبه صوت مركبة غير واضحة،ينهضان بارتباك،يهيئان سلاحيهما..ينظران إلى بعضهما تارة وإلى جهة الصوت تارة) جندي1: ربما وصلوا. جندي2: (مرتبكاً)ماذا..ماذا قلت؟..وصلوا. جندي1: (يشير إلى الخارج)ألا تسمع،ها هي مركباتهم تحوم حولنا. جندي2: (خائفاً)ربما طائراتهم اللعينة كشفت موقعنا. جندي1: (حائراً)كيف هذا..أننا في صحراء قاحلة. جندي2: (يهز رأسه ساخراً)الشيطان يساندهم في الكشف عن أسرار الإنسان. جندي1: (متعجباً)قل لي..ما العمل؟ جندي2: (يزوي شفتيه وحاجبيه)شخصياً لا عمل لدي. جندي1: (بحيرة)قل لي..هل نقاوم؟ جندي2: (مستهزئاً)نقاوم،وهل بوسعنا مقاومة الهواء كي نتمكن من مقاومة الأعداء. جندي1 : ألم نوقع على تعهدات الإعدام،عندما يحصل الصدام. جندي2: لا..لا.. لن أقاوم،وقعت ذلك من غير يقين. جندي1: (يفكر)حقاً ما الفرق بين أن نقتل أو نعدم،لا فرق..لا فرق..الموت واحد. جندي2: ما دام قد وصلوا إلى هذا القمقم،يعني أن البلاد صارت تحت مخالبهم. جندي1: ليت أعرف ما الذي يجري في العالم. جندي2: لنعرف ما الذي يجري في بلادنا أولاً،ثم نطلب أخبار العالم. جندي1:) يصغي)أتسمع. جندي2: أسمع أصوات مركبات قادمة نحونا. جندي1: لنهرب. جندي2: إلى أين؟ جندي1: أو..لا..لا..لنستسلم. جندي2: ومن قال أنهم يقبلون استسلامنا. (تتوقف الأصوات،الجنديان يتطلعان إلى خلف المسرح،يدخل ضابط برتبة نقيب) جندي1: (مرحباً)..كدنا أن نفقد روحينا. النقيب: لم نعد نملك الوقت الكافي كي نحافظ على أرواحنا. جندي2: كيف هي الأمور سيدي. النقيب: (لاهثاً)..كل شيء صار رماداً. جندي1: (إلى الجندي2)كل هذه الطائرات المارقة ألم تحسسك بخراب البلاد. النقيب: لم يتركوا شيئاً. جندي1: حقاً كما تصورنا،عدونا كلب. جندي2: (يصرخ)كلب أبن الكلب. جندي1: حقاً تذكرت كلام أبي رحمه الله،كان يقول لا يحارب الكلب إلاّ كلباً مثله. النقيب: كلام شائع،الكلاب فيما بينهم أعداء. جندي2: (مستفهماً)يعني..يعني..هو..هو..كلب. جندي1: أنا لم أقصد هذا،لا تزجنا في ورطة. النقيب: (إلى الجندي2)ما زلت تمارس كلبيتك الأمنية،فكر بطريقة تنجينا من الموت. جندي2: (مرتعشاً)لم أقصد هذا،أريد أن أفهم من كلامه أن كل من يتحارش بكلب كلب. النقيب: لو مررت بقرب كلب،هل تتحرش به؟ جندي2: وهل أنا كلب كي أتحرش به..كلا..كلا ليس من طبعي التحرش بالكلاب. جندي1: لو تحرشت به سيهجم عليك،هل في كلامي شك؟ جندي2: أنا آسف،أعتذر،نعم هو..هو كلب لأنه جن وتنمر وبدأ يتحرش بالعالم. النقيب: (يصرخ)أما ترعوي،نحن في محنة،الموت يلفنا،دعنا من السياسة. جندي2: (بخضوع)..سيدي..أنا معكم،كل ما تقولانه أنا معكما. جندي1: (مغيراً الموضوع)..قالوا لم نستهدف الحياة،جئنا ننشر العدالة ونبث الروح في البشر. النقيب: عدونا يمتلك لسان الأفاعي،لا تصدقوا اليهود والمجوس. جندي2: حقاً أنهم من الفئات الضالة والمغضوب عليهم. جندي1: تلك هي بضاعتهم المعسولة لتسكير المجتمعات الجاهلة. جندي2: ألم يزرعوا في بالنا أشجار الفرح،قالوا سنخلصكم من العذاب ونحرركم من الظلم. النقيب: كل عدو كاذب. جندي1: (يتأفف)..فقط لو أعرف كم نمتلك من فرص النجاة! النقيب: (يضرب كفاً بكف)..لا فرصة لدينا،صفر باليد حصان،صفرx صفر. جندي2: وكيف وصلت إلى هنا سيدي،ألم تكن تمتلك فرصة نجاة حين..حين...؟ النقيب: قلها..لا تخجل،كلنا سنهرب في النهاية. جندي1: وما العمل؟أليس من فرصة نجاة واحدة؟ النقيب: جئت أطلب العون منكم. جندي2: لا نملك عوناً. النقيب: لنلقِ أسلحتنا ونخرج من هذه الصحراء مهما كان الثمن. جندي1: (يتأفف)..فقط لو أعرف أين نحن،ربما وجدنا نصف فرصة. النقيب: نحن في الصحراء. جندي2: هذا يعني نحتاج إلى حظ كبير كي ننجو. جندي1: لنغامر. النقيب: لكي ننجو علينا أن نخلع أسمالنا أولاً. جندي1: ونرمي أسلحتنا ثانياً. جندي2: لا أجد فكرتكما ناجحة. النقيب: لم نعد نمتلك وقتاً للنقاش. جندي1: حقاً ربما نحتاج للسلاح في هذه الصحراء. النقيب: حقاً..السلاح مهم في الصحراء،قد نواجه حيوانات ضارية. (يحصل ضربات داخل القمقم،ينتبهون،يتوجهون بخوف نحو المكعب الصخري،يصغون واضعين آذانهم على الجدار،فاغري الفم) النقيب: آه..نسيت هذا ـ يشير بسبابته نحو المكعب الصخري ـ جندي1: ما زلت أتوق لمعرفة السر. جندي2: ألم نتفق على أن المخطوفين(الكويتيين)بداخله. النقيب: (مستغرباً)مخطوفين..هل قلت مخطوفين؟ جندي1: الكويتيون. جندي2: نعم الكويتيون. النقيب: الكويتيون..لا..لا..أظن هذا. جندي1: سمعنا ضربات أقدام وأيدي وصرخات مكتومة. جندي2: نعم سمعنا هذا. النقيب: ظنّي يحوم حول المواد المحرمة،الم يبحث عنها ـ أكيوس ـ القشمر. جندي1: هذا ما كان في بالنا،حتى لحظة سمعنا حياة بشرية في الداخل. جندي2: لو كانت غرفة حقاً لكانت هناك نوافذ وباب. النقيب: حقاً،كيف لم ننتبه لذلك. جندي1: فكرنا ووجدنا كل الطرق لا تنفع في فك أسراره. جندي2: أردنا نسفه بالرمانات اليدوية. جندي1: أردنا زخه بالرصاص. النقيب: وهل يشكل في نجاتنا منفعاً أو عائقاً. جندي1: الفضول..وحده الفضول يدفعني لمعرفة سبب وجودي هنا. النقيب: ألسنا من الحاشية المقربة منه؟ جندي2: نعم من المقربين المهملين. (أصوات عراك،صرخات،تهدأ المعركة،الجنديان والنقيب ينسحبون) النقيب: حقاً ماذا تقولون،أنهم خدعونا. جندي1: دائماً يمارسون الخديعة معنا. جندي2: ليس معنا فقط،بل مع الشعب كله. النقيب: ليس الشعب فحسب،بل مع العالم كله. جندي1: كلاب. جندي2: جرذان. النقيب: (يصفق)..ربما الاثنين معاً. جندي1: (للنقيب)سيدي أما لديك وسيلة لمعرفة سر هذا(يشير بسبابته)القمقم. النقيب: لا تنظر إلى رتبتي،أنا أيضاً مثلكم ـ أطرش ـ في ـ زفة ـ عرس. (تمرق طائرات حربية) جندي2: (يشير إلى الأعلى)دك عيني دك. النقيب: قل:دك بقايا بلاد. جندي1: وهل لدينا بلاد أو بقايا بلاد كي يدكوها؟ جندي2: حقاً أننا بلا بلاد. النقيب: لم يعد لدينا مبرراً لكتمان الحقائق. جندي1: سيدي..يجب أن نتحرك قبل أن نغدو قرابين من أجل الفراغ. النقيب: تخلصت من الموت،ها أنني أجد نفسي في موت جديد. جندي1: حياتنا عبارة عن جملة موتات. جندي2: سيدي..هل نتمكن من ترك المكان. النقيب: تركت مكاني،ها أنني بينكم أشاطركم الحيرة والمجهول. جندي1: وهل كنت تحرس مثله(يشير بأصبعه نحو الكتلة الصخرية). النقيب: كلنا نحرس أكوام رمال ومزابل أوهام من أجل..من أجل(يخفض صوته)النظام. جندي1: الرمال يمكن إزاحتها والكشف عن خباياها. جندي2: (إلى النقيب)والبقية. النقيب: استيقظت من نومي فوجدت نفسي أجابه الفراغ. جندي1: وكيف وصلت،(إلى الجندي2)ألم تسمع صوت مركبات؟ جندي2: يتهيأ لي أنني سمعت صوت مركبة أو مركبات. جندي1: نعم..توقفت،وتهيأنا لمواجهة العدو. النقيب: ربما صوت الريح أسقطكم في الوهم. جندي2: لكنني سمعت صوت مركبة أو مركبات حقيقية. جندي1: (إلى النقيب)وكيف وصلت سالماً. النقيب: قتلت سبعة كلاب في طريقي كانوا يتحرشون بكلبه. جندي1: كم مشيت؟ النقيب: مع الفجر انطلقت. جندي1: يمكننا أن ننطلق،ما زلنا في أوّل النهار. جندي2: (إلى النقيب)سيدي..أين نحن؟ النقيب: في الصحراء. جندي1: (يصرخ)صحراء..صحراء..صحراء. النقيب: كل ما حولنا رمال. جندي2: بلادنا كلها رمال. جندي1: سأقولها بملء فمي،هو..هو..أحالنا إلى رمال وهرب بجلده. جندي2: تلك من شيّم الجبناء. النقيب: أين يهرب..عدونا عقرب؟ جندي1: لابد أنه هيأ لنفسه ملاذات آمنة. جندي2: ألم يقل سأقاتل حتى الرمق الأخير. جندي1: ومن قال أنه يمتلك رمقاً كي يقاتل به. النقيب: يا صاحبيَّ،كنت على يقين أننا نعيش في بلاد كاذبة. جندي2: الكل يدرك هذه الحقيقة،لكن كلنا بلا لسان. جندي1: حقاً..لم نمتلك الشجاعة الكافية للكلام. (يمرق سرب طائرات عائدة)
|