عايش (مسرحية) 3 .. بقلم تحسين كرمياني


[المشهد الثاني] 

[نفس المكان]
(ترفع الستارة) 
(الجنديان متمددان،صوت يشبه صوت مركبة غير واضحة،ينهضان بارتباك،يهيئان 
سلاحيهما..ينظران إلى بعضهما تارة وإلى جهة الصوت تارة) 
جندي1: ربما وصلوا.
جندي2: (مرتبكاً)ماذا..ماذا قلت؟..وصلوا. 
جندي1: (يشير إلى الخارج)ألا تسمع،ها هي مركباتهم تحوم حولنا.
جندي2: (خائفاً)ربما طائراتهم اللعينة كشفت موقعنا.
جندي1: (حائراً)كيف هذا..أننا في صحراء قاحلة.
جندي2: (يهز رأسه ساخراً)الشيطان يساندهم في الكشف عن أسرار الإنسان.
جندي1: (متعجباً)قل لي..ما العمل؟
جندي2: (يزوي شفتيه وحاجبيه)شخصياً لا عمل لدي.
جندي1: (بحيرة)قل لي..هل نقاوم؟
جندي2: (مستهزئاً)نقاوم،وهل بوسعنا مقاومة الهواء كي نتمكن من مقاومة الأعداء. 
جندي1 : ألم نوقع على تعهدات الإعدام،عندما يحصل الصدام.
جندي2: لا..لا.. لن أقاوم،وقعت ذلك من غير يقين.
جندي1: (يفكر)حقاً ما الفرق بين أن نقتل أو نعدم،لا فرق..لا فرق..الموت واحد.
جندي2: ما دام قد وصلوا إلى هذا القمقم،يعني أن البلاد صارت تحت مخالبهم.
جندي1: ليت أعرف ما الذي يجري في العالم.
جندي2: لنعرف ما الذي يجري في بلادنا أولاً،ثم نطلب أخبار العالم.
جندي1:) يصغي)أتسمع.
جندي2: أسمع أصوات مركبات قادمة نحونا.
جندي1: لنهرب.
جندي2: إلى أين؟
جندي1: أو..لا..لا..لنستسلم.
جندي2: ومن قال أنهم يقبلون استسلامنا.
(تتوقف الأصوات،الجنديان يتطلعان إلى خلف المسرح،يدخل ضابط برتبة نقيب) 
جندي1: (مرحباً)..كدنا أن نفقد روحينا.
النقيب: لم نعد نملك الوقت الكافي كي نحافظ على أرواحنا.
جندي2: كيف هي الأمور سيدي.
النقيب: (لاهثاً)..كل شيء صار رماداً.
جندي1: (إلى الجندي2)كل هذه الطائرات المارقة ألم تحسسك بخراب البلاد.
النقيب: لم يتركوا شيئاً.
جندي1: حقاً كما تصورنا،عدونا كلب.
جندي2: (يصرخ)كلب أبن الكلب.
جندي1: حقاً تذكرت كلام أبي رحمه الله،كان يقول لا يحارب الكلب إلاّ كلباً مثله.
النقيب: كلام شائع،الكلاب فيما بينهم أعداء.
جندي2: (مستفهماً)يعني..يعني..هو..هو..كلب.
جندي1: أنا لم أقصد هذا،لا تزجنا في ورطة.
النقيب: (إلى الجندي2)ما زلت تمارس كلبيتك الأمنية،فكر بطريقة تنجينا من الموت.
جندي2: (مرتعشاً)لم أقصد هذا،أريد أن أفهم من كلامه أن كل من يتحارش بكلب كلب.
النقيب: لو مررت بقرب كلب،هل تتحرش به؟
جندي2: وهل أنا كلب كي أتحرش به..كلا..كلا ليس من طبعي التحرش بالكلاب.
جندي1: لو تحرشت به سيهجم عليك،هل في كلامي شك؟
جندي2: أنا آسف،أعتذر،نعم هو..هو كلب لأنه جن وتنمر وبدأ يتحرش بالعالم.
النقيب: (يصرخ)أما ترعوي،نحن في محنة،الموت يلفنا،دعنا من السياسة.
جندي2: (بخضوع)..سيدي..أنا معكم،كل ما تقولانه أنا معكما.
جندي1: (مغيراً الموضوع)..قالوا لم نستهدف الحياة،جئنا ننشر العدالة ونبث الروح في البشر.
النقيب: عدونا يمتلك لسان الأفاعي،لا تصدقوا اليهود والمجوس.
جندي2: حقاً أنهم من الفئات الضالة والمغضوب عليهم.
جندي1: تلك هي بضاعتهم المعسولة لتسكير المجتمعات الجاهلة.
جندي2: ألم يزرعوا في بالنا أشجار الفرح،قالوا سنخلصكم من العذاب ونحرركم من الظلم.
النقيب: كل عدو كاذب.
جندي1: (يتأفف)..فقط لو أعرف كم نمتلك من فرص النجاة!
النقيب: (يضرب كفاً بكف)..لا فرصة لدينا،صفر باليد حصان،صفرx صفر.
جندي2: وكيف وصلت إلى هنا سيدي،ألم تكن تمتلك فرصة نجاة حين..حين...؟
النقيب: قلها..لا تخجل،كلنا سنهرب في النهاية.
جندي1: وما العمل؟أليس من فرصة نجاة واحدة؟
النقيب: جئت أطلب العون منكم.
جندي2: لا نملك عوناً.
النقيب: لنلقِ أسلحتنا ونخرج من هذه الصحراء مهما كان الثمن.
جندي1: (يتأفف)..فقط لو أعرف أين نحن،ربما وجدنا نصف فرصة.
النقيب: نحن في الصحراء.
جندي2: هذا يعني نحتاج إلى حظ كبير كي ننجو.
جندي1: لنغامر.
النقيب: لكي ننجو علينا أن نخلع أسمالنا أولاً.
جندي1: ونرمي أسلحتنا ثانياً.
جندي2: لا أجد فكرتكما ناجحة.
النقيب: لم نعد نمتلك وقتاً للنقاش.
جندي1: حقاً ربما نحتاج للسلاح في هذه الصحراء.
النقيب: حقاً..السلاح مهم في الصحراء،قد نواجه حيوانات ضارية.
(يحصل ضربات داخل القمقم،ينتبهون،يتوجهون بخوف نحو
المكعب الصخري،يصغون واضعين آذانهم على الجدار،فاغري الفم) 
النقيب: آه..نسيت هذا ـ يشير بسبابته نحو المكعب الصخري ـ 
جندي1: ما زلت أتوق لمعرفة السر.
جندي2: ألم نتفق على أن المخطوفين(الكويتيين)بداخله.
النقيب: (مستغرباً)مخطوفين..هل قلت مخطوفين؟
جندي1: الكويتيون.
جندي2: نعم الكويتيون.
النقيب: الكويتيون..لا..لا..أظن هذا.
جندي1: سمعنا ضربات أقدام وأيدي وصرخات مكتومة.
جندي2: نعم سمعنا هذا.
النقيب: ظنّي يحوم حول المواد المحرمة،الم يبحث عنها ـ أكيوس ـ القشمر.
جندي1: هذا ما كان في بالنا،حتى لحظة سمعنا حياة بشرية في الداخل.
جندي2: لو كانت غرفة حقاً لكانت هناك نوافذ وباب.
النقيب: حقاً،كيف لم ننتبه لذلك.
جندي1: فكرنا ووجدنا كل الطرق لا تنفع في فك أسراره.
جندي2: أردنا نسفه بالرمانات اليدوية.
جندي1: أردنا زخه بالرصاص.
النقيب: وهل يشكل في نجاتنا منفعاً أو عائقاً.
جندي1: الفضول..وحده الفضول يدفعني لمعرفة سبب وجودي هنا.
النقيب: ألسنا من الحاشية المقربة منه؟
جندي2: نعم من المقربين المهملين.
(أصوات عراك،صرخات،تهدأ المعركة،الجنديان والنقيب ينسحبون) 
النقيب: حقاً ماذا تقولون،أنهم خدعونا.
جندي1: دائماً يمارسون الخديعة معنا.
جندي2: ليس معنا فقط،بل مع الشعب كله.
النقيب: ليس الشعب فحسب،بل مع العالم كله.
جندي1: كلاب.
جندي2: جرذان.
النقيب: (يصفق)..ربما الاثنين معاً.
جندي1: (للنقيب)سيدي أما لديك وسيلة لمعرفة سر هذا(يشير بسبابته)القمقم.
النقيب: لا تنظر إلى رتبتي،أنا أيضاً مثلكم ـ أطرش ـ في ـ زفة ـ عرس.
(تمرق طائرات حربية) 
جندي2: (يشير إلى الأعلى)دك عيني دك.
النقيب: قل:دك بقايا بلاد.
جندي1: وهل لدينا بلاد أو بقايا بلاد كي يدكوها؟
جندي2: حقاً أننا بلا بلاد.
النقيب: لم يعد لدينا مبرراً لكتمان الحقائق.
جندي1: سيدي..يجب أن نتحرك قبل أن نغدو قرابين من أجل الفراغ.
النقيب: تخلصت من الموت،ها أنني أجد نفسي في موت جديد.
جندي1: حياتنا عبارة عن جملة موتات.
جندي2: سيدي..هل نتمكن من ترك المكان.
النقيب: تركت مكاني،ها أنني بينكم أشاطركم الحيرة والمجهول.
جندي1: وهل كنت تحرس مثله(يشير بأصبعه نحو الكتلة الصخرية).
النقيب: كلنا نحرس أكوام رمال ومزابل أوهام من أجل..من أجل(يخفض صوته)النظام.
جندي1: الرمال يمكن إزاحتها والكشف عن خباياها.
جندي2: (إلى النقيب)والبقية.
النقيب: استيقظت من نومي فوجدت نفسي أجابه الفراغ. 
جندي1: وكيف وصلت،(إلى الجندي2)ألم تسمع صوت مركبات؟
جندي2: يتهيأ لي أنني سمعت صوت مركبة أو مركبات.
جندي1: نعم..توقفت،وتهيأنا لمواجهة العدو.
النقيب: ربما صوت الريح أسقطكم في الوهم.
جندي2: لكنني سمعت صوت مركبة أو مركبات حقيقية.
جندي1: (إلى النقيب)وكيف وصلت سالماً.
النقيب: قتلت سبعة كلاب في 
طريقي كانوا يتحرشون بكلبه.
جندي1: كم مشيت؟
النقيب: مع الفجر انطلقت.
جندي1: يمكننا أن ننطلق،ما زلنا في أوّل النهار.
جندي2: (إلى النقيب)سيدي..أين نحن؟
النقيب: في الصحراء.
جندي1: (يصرخ)صحراء..صحراء..صحراء.
النقيب: كل ما حولنا رمال.
جندي2: بلادنا كلها رمال.
جندي1: سأقولها بملء فمي،هو..هو..أحالنا إلى رمال وهرب بجلده.
جندي2: تلك من شيّم الجبناء.
النقيب: أين يهرب..عدونا عقرب؟
جندي1: لابد أنه هيأ لنفسه ملاذات آمنة.
جندي2: ألم يقل سأقاتل حتى الرمق الأخير.
جندي1: ومن قال أنه يمتلك رمقاً كي يقاتل به.
النقيب: يا صاحبيَّ،كنت على يقين أننا نعيش في بلاد كاذبة. 
جندي2: الكل يدرك هذه الحقيقة،لكن كلنا بلا لسان.
جندي1: حقاً..لم نمتلك الشجاعة الكافية للكلام.
(يمرق سرب طائرات عائدة)