اخلاق الفريق الغراوي وضباط الشعبة البغدادية الخامسة
يبدو ان حمى التسقيط اصبحت علامة مميزة  في العراق بل يمكننا القول انها ماركة مسجلة باسم كل من يعمل في السياسة اوالاعلام ,وانعكست تلقائيا على القواعد الشعبية بصورة توحي بقطيعة خطيرة بين ابناء الوطن الواحد وخراب لايمكن اصلاحه على مدى قرون ,فالبناء لايجد له حضوراً ملموساً في عقول المتحزبين واصحاب الاجندات الخاصة, فهم في شغل دائم للتسقيط وتحطيم الخصوم بدون اي واعز من ضمير او دين او اخلاق, فهم يتصرفون باخلاق ويمتطون مفردات اقرب الى اخلاق ومفردات صبية المناطق الصناعية منها الى مفردات الانسان المتحضر والمتمدن ويحمل شهادة في الاعلام  تمنحه الحق بالدخول لبيوت الناس ومخاطبتهم عبر القناة الفضائية التي يعمل فيها ,هذا ان سلمنا بحقيقة دراستهم لهذا الاختصاص المهم والحساس ,لان المفردات الموضوعية والصالحة للتناول الادمي اصبحت لدى الغالبية ممن نتحدث عنهم مجرد مصطلحات اثرية انتهت صلاحية استخدامها ودخلت المتحف منذ سنين طويلة.
لابد ان اغلب العراقيين الذين شاهدوا اللقاء الذي اجرته الفضائية البغدادية  لصاحبها الخشلوك على مدار ثلاث ساعات مع الفريق الركن مهدي الغراوي  قائد عمليات نينوى ,ادركوا بالسليقة العراقية ان الاعلامي الذي ادار الحوار رجل موتور ويعزف بطريقة رديئة على وتر واحد هو التسقيط, وان كشف نفسه عندما كرر مرتين جملة  " جا بس علينه كَادر القائد العام " والقى نظرة جانبية الى المخرج ربما ليقول اشهدوا لي عند الخشلوك باني انتقم نيابة عنكم ممن تسبب باغلاق فضائيتنا " الشريفة جداً "ناهيك عن استخدام مفردات لاتليق بقائد كبير برتية فريق وبدون اي حرج بحجة حرقته على الوطن والناس الابرياء مثل كلمة " الله لايوفقكم "  كررها مرتين  " كَلب والده "مع استخدام لامثال شعبية لاتصلح للمقام والقضية الحساسة والمهمة التي اراد السيد الغراوي توضيحها امام الراي العام العراقي, فقد كان الفريق متحمساً جداً وحريص على بيان الحقيقة او على الاقل مايعتقده كقائد ميداني لمس الكثير من المعطيات بحكم قربه من دائرة الصراع في الموصل.
وبدل ان يتعامل هذا الاعلامي بموضوعية وحنكة اعلامية عهدناها عند بعض الاعلاميين العراقيين الذين نفتحر بانهم من هذا الوطن الجريح ولم نلحظ في اي لقاء لهم اي كلمة معيبة او سوقية سوى بحق الضيف او بحق الجهة التي ينتمي اليها , مع انهم اجروا لقاءات مع شخصيات طائفية وبعثية واخرى لاتستحق الاحترام اساساً, لكنهم استخرجوا الحقيقة من دون اساءة او صراخ او شتيمه او سخرية, فمن يستخف بالضيف مهما كان انتماءه لايريد سوى شتم العراق بهذا الضيف ومن يمثلهم او هذا القائد والاساءة للمؤسسة التي يمثلها.
طريقة ادارة الحوار والاسلوب الاستفزازي والمقاطعة الدائمة ذكرتني بالبعثيين الخونة واساليبهم في التحقيق مع المواطن المتهم , لا اعرف ان كان هذا الشعور راود من شاهد اللقاء ام لا ؟ حتى اصبح الضيف بموقف المدافع وكأنه في محكمة عسكرية تريد اجباره على الاعتراف بجريمة وليس لقاء تلفزيوني,علاوه على الموضوع الاخطر في البرنامج وهي كمية التسجيلات الصوتية التي اظهرتها القناة!! فمن ياترى سجل هذه المكالمات؟ واعطاها للقناة وعلى اعلى مستوى من قيادات الجيش العراقي ,والغريب ان الصوت كان واضحاً من طرفي الاتصال,اي من قام بالتسجيل هي شبكة الاتصالات وليس احد طرفي الاتصال,لان الطرف الثاني سيكون صوته مختلف واقل وضوحاً من الطرف الذي يقوم بالتسجيل, فكيف حدث هذا؟.
سمعنا عن تسريب وثائق , مستمسكات, تسجيلات مصورة بكامرة مبايل, اما تسجيلات صوتيه عبر الهاتف فامر يحتاج لتدخل الدولة لبيان حقيقة الامر والا فجيشنا وقياداته كلها تحت الانظار واسماع المخابرات البعثية والعروبية! هذه الممارسات الشاذة لاتحدث لاول مرة في البغدادية فقد سبقه زملاءه في القناة وبنفس الاسلوب المقرف,حتى ليشعر المرء بان اغلب اعلاميي البغدادية تخرجوا من مدرسة واحدة!! اترك للقارئ تخمينها,او ربما يأخذون دروس اضافيه في شارع الهرم.
وبعد ان تحملت هذا الاعلامي المتشنج والمحتقن لثلاث ساعات وتجرعت على مضض الاحداث والخيانات التي وردت في الحوار, وسعدت كثيراً ايضا بشجاعة واخلاق هذا الضابط العراقي الغيور بصرف النظر عن قناعتنا بما اراد قوله ,اصابني الذهول في نهاية اللقاء بان الفريق مهدي الغراوي هو من اعتذر لهذا الرجل المتحامل ان كان ازعجه اثناء الحديث, في الوقت الذي لم ألمس من الضابط الا قمة الادب والتواضع والاحترام  والاخلاق الطيبة, لان ماكان يشغل باله الشعب العراقي وايصال حقيقة ماحدث قبل واثناء سقوط الموصل.