"لفافة" الشيباني ومثقفونا في عام الأرنب

برغم شغفي بالقراءة وعشقي للكتاب، فأنني أجد نفسي أحيانا جاهلاً تماما في كل ما يتعلق بكتب التنجيم والأبراج، ومحاولاتي في بعض الاحيان أن أعرف شيئا عن علم الفلك، وارطن باسم نيوتن، وأتفلسف حين يأتي ذكر دافنشي أمامي، لكني مُصر على الاعتقاد ان غاليلو عالم عظيم وليس رجلا مخادعا كما تريد كتب التاريخ ان تصوره لنا، وفي شبابي كنت أحفظ عن ظهر قلب محاورات غاليلو كما جاءت في المسرحية الشهيرة التي كتبها عنه برتولد بريشت، في تلك الايام عرفت ان البطولة ليست دليلا على الاستقرار، فربما تصبح صورة لعجز البلاد وبؤسها، ومازلت اتذكر كيف ان هذا العالم الكبير اضطر صاغراً تحت ضغط رجال الدين إلى التخلي عن نظرياته الفلكية التي خالف بها ما تقوله الكنيسة، ولا تزال الجملة التي وضعا بريشت على لسان بطله غاليلو تسحرني.. فحين يقول له تلميذه: ويل للبلد الذي لا يوجد به أبطال.. يرد غاليلو الواثق من انتصار الحقيقة بهدوء: لا يا ولدي.. بل ويل للبلد الذي يحتاج إلى أبطال..
بعد كل هذا الاستعراض العضلي لمعلوماتي في الفلك، اجد نفسي مثل كثيرين يعتقدون ان علم الفلك هو ان تعرف ما هو برجك، وان تتابع مع كارمن أيام الحظ، وان اقتناءك لكتاب ماغي فرح سيسهل عليك امور الحياة ومصاعبها، فاذا كنت من برج الحمل فلا تتورط في علاقة حب مع امرأة من برج الاسد لأنها ستلتهمك في النهاية، وإذا كنت من برج الميزان، فحتما أن اليوم يوم سعدك.. وحاولت ان احصل على " لفافة " ابو علي الشيباني التي تجعل من عنترة العبسي في عيون بطلة مسلسل "فاطمة" اجمل وارشق من كريم.. وبسبب "لفافة" الشيباني هذه ادمنت قراءة كل ما يتعلق بالتنبؤات والحظ ليقع ين يديَّ قبل أيام تقرير ظريف يقول اصحابه ان العام الماضي وحسب الابراج الصينية كان اسمه عام النمر، ويخبرنا اصحاب التقرير انه كان عاما مليئاً بالصعوبات والعراقيل والاضطرابات، وحتى لايجرفنا كتاب التقرير الى شواطئ اليأس فانهم يخبروننا بان العام الحالي، والذي بدأت بشائره حسب التقويم الصيني في 16 شباط يطلق عليه عام الارنب، ويوضح الفلكي صاحب التقرير أن عام الأرنب سيحمل لنا في طياته الكثير من الآمال والنجاحات والفرص لتحقيق التغير الايجابي على مستوى الحياة الشخصية بل ومن المحتمل أن يكون عاماً أكثر هدوءاً على المشهد الحياتي. لا أستغرب أن يحاول فلكيو الصين الضحك علينا بكلمتين حول الرخاء والمستقبل الزاهر والتمسك بسياسيينا الذين لن يجود الزمن بمثلهم فنحن اعرف ببضاعة ساستنا التي لا ينفد معينها، ثم إنها بضاعة مجانية، لا تتطلب من صاحبها سوى حبك العبارات وتلوينها.وهي الصنعة التي راجت سوقها في زمن العجز عن الفعل والاستقواء بالكلمات. إذ كما أن هناك من يفصل القوانين على هواه ومن يفصل الخطب التي تناسب كل زمان ومكان. لا غرابة في ان نعيش عام الارنب وإنما الغريب في الأمر أن يكون العام الماضي عام النمر فيما كنا نحن العراقيين نخباً ومواطنين مجرد مخلوقات تعيش على هامش الساسة. 
المشكلة التي نواجهها اليوم في العراق ان أعوامنا جميعها أصبحت اعوام "الارنب" فالناس خائفة ولاحول لها ولا قوة، فيما بعض النخب السياسية تسعى الى تدمير عناصر العافية في المجتمع حتى لا يلوح في الأفق أي بارقة أمل في إمكانية وجود بديل سياسي يمكن أن ينافسهم يوما ما، فيلجأون الى اللعب بالقوانين والعبث في القضاء لإضفاء شرعية على العديد من الممارسات بحيث أصبحوا محمين بتشريعات مغشوشة ومن ثم فاقدة الشرعية. والنموذج الفادح لذلك هو ما حصل ويحصل في مسألة "الهيئات المستقلة" والتي تحولت وبفعل فاعل الى "ارانب" في حظيرة الحكومة، يكتب عالم الاجتماع ماكس فابير" في النظم الاستبدادية تظل اللغة هي أبرز وسيلة لخداع الناس". ولهذا وجدنا عام الارنب عام الخطب التي اخبرنا المالكي مشكوراً ومن خلال  خطبة نارية ان اعوامنا كلها ستصبح أعوام "الفقاعات"..
بالتاكيد ان عام الارنب هذا سيحمل الكثير من المفاجآت وسيشهد تحسنا في أداء بعض السياسيين والمسؤولين، وهذا التحسن لا علاقة له بالمواطن وانما في قدرة هؤلاء الساسة على اكتشاف وسائل للنصب والاحتيال.. وحتما ستظل نخبنا الثقافية خائفة ومرتعشة وتحذر في "الفيسبوك" من المساس بالبطل المنقذ الذي سيكشف كذب وألاعيب غاليلو.. فالبلاد لا تعيش في ظل احتقان طائفي، وان ساستنا الافاضل لا يسعون للحرب الطائفية، فهذا الشعب الجاهل لايعرف ان العراق لا يمكن ان يتنفس هواء التقدم والازدهار من دون قبضة المالكي، وابتسامة المطلك، وتأتأة علاوي، وحرباوية الشابندر.. فيا مثقفو الفيسبوك لا تعيشوا مثل الارانب، واذا كان لابد من حل فاستعينوا بـ"لفافة" ابو علي الشيباني ربما تصبحون نجوما في دراما كوميدية.