سلاح الطائفية

تعددت أساليب الفتك بالإنسان في الحروب والصراعات، بتعدد الغايات والأسباب ، وكلما إزدادت لهجة الصراعات حدّة وبشاعة ؛ إزدادت معها تلك الأساليب والوسائل وبطرق محرمة أحيانا و غير مشروعة ، ولكن أخطر تلك الوسائل على الشعوب ، هي تلك التي تتغلغل الى مفاصله العقائدية والأثنية فتحيلها الىحقول مفخخة بالكراهية والحقد والتطرف.

ولعل مايحدث الآن في الساحة العربية عموما من أحداث ؛ تبين بوضوح استشراء هذا المد الوبائي المدمر على أيد جهات وجماعات تعمل على ترويج ثقافة العنف وتحت مظلة هي الأبشع في ساحات الصراع غير المشروع ، حيث عمليات زرع الفتنة بين الناس بدواع طائفية مقيتة.

إذن .. الفتنة هي الطريق المشبوه الى زعزعة الاستقرار والألفة والأمن في صفوف المجتمعات ، لاسيما الإسلامية منها ، بغية تحقيق أهداف وغايات بعيدة ، أهمها تقديم صورة قبيحة ومنحرفة لحقيقة الدينالسمحاء ، وتحويل مسارها باتجاه غاية في التدمير ، هدفه الإنسان والقيم النبيلة والسلام ، ولاشك إن من يدفع بهذا الإتجاه هو العدو الأول والرئيس لهذه المفاهيم الراقية بغية القضاء عليها في داخل النفوس والأعراق والقوميات والطوائف ، وشق صفوفها لتسهيل الخراب الأشمل .

هذا الخراب الطائفي سلاح يستخدمه أعداء البلد الآن ، على اختلاف أشكالهم ، ومثلما استخدم الاستعمار من قبل سلاح التقسيم الجغرافي في احتلالاتهم عبر التاريخ لأراضينا ، يبدو أنهم قد غيروا الأساليب والتكتيكات وفق منطق سياساتهم الجديدة ، فاستعانوا بأدوات جديدة لإضعافنا وشق صفوفنا

، ومن بينها هذه الفتنة التي تمثل سلاحا جرثوميا آخر يفتك بالأرواح والأجساد معا ، مستعينين بعقول وأيد مأجورة ومتطرفة تغذي هذا السلاح بين عقول الناس ، وبالتالي تحطيم البنى الأساسية التي كان يطمح لها الفرد في هذا الوطن الذي عانى ما عاناه عبر عقود من الزمن ، من ديكتاتوريات وسياسات قمعية وشمولية زرعت على المدى الطويل روح الفتنة والطائفية داخل النسيج المجتمعي ، وحين جاءت فرصة هذه الشعوب للتغيير وبث مفاهيم الديمقراطية والتسامح والتعايش والألفة بين مختلف المكونات الدينية والعرقية والطائفية ، صارت هذه الأنظمة المدحورة ، تعمل بشتى صنوفها الآن للتحالف مع كل القوى المدمرة للسلام والأمن والحرية ، من أجل إضاعة هذه الفرصة الكبيرة وإعادة البلد الى ماكان عليه قبل التغيير من صورة قاتمة بلا أفق مستقبلي مشرق. وقال تعالى في الأية 191 من سورة البقرة "الفتنة أشد من القتل"

هكذا يجب فهم الامور من قبل كل الأطراف المعنية بمستقبل الناس والبلد ، وهكذا يجب ان ينتبه الغافلون عن ذلك ، كي لايكونوا ضحايا خدعة الجلادين السابقين القادمين بأسلحة الفتك والدمار الحالية ، ولكنماالحل الأمثل للمواجهة ؟

التجربة الصعبة التي نمر بها تبين بشكل لالبس فيه ، أن من بين أساليب المواجهة ، هي الوقاية والتي تبدأ من رص الصفوف وزرع روح المحبة والتآلف بين مختلف الطوائف والأديان ، ونبذ العنف ، مثلما ينبغي إحياء قيم الحوار والانفتاح وانعاش الروح الوطنية لدى الشعب ، بدلا من التخندق في مناطق ضيقة لا رجاء فيها للخلاص من هذا المأزق الذي يدفع باتجاهه كل الظلاميين والمتخلفين وأعداء الحرية