في عام 1967, وعلى إثر الهزيمة الكاسحة التي هزمت فيها إسرائيل ثلاثة جيوش عربية, خاطب الرئيس الجزائري هواري ابو مدين رئيس مصر جمال عبدالناصر قائلا : لقد خسرنا معركة ولم نخسر الحرب. أما في يومنا الحالي فإن العراقيين يعيشون إفتراضية ابو مدين ولكن بالمقلوب, اي أنهم بمعاونة من قوات التحالف وفي حربهم ضد داعش, في مواجهة أن يكسبوا معركة ويخسروا حربا. كان الرجل يحاول أن يعيد بناء الموقف العربي المتهاوي بفعل هزيمة الخامس من حزيران, وهي هزيمة لم يكن من المعقول الحكم عليها بمسطرة الخسائر العسكرية والسياسية وإنما كان يجب وضعها في خانة الهزائم التاريخية التي تستوجب إعادة النظر بمجمل الثقافة العربية التي تعاملت معها الإنقلابات بمنطق المساومة لا منطق الثورة الحقيقية. وبالنتيجة كان ابو مدين مخطئا لأنه حسبها بمسطرته العسكرية لا بمسطرة الثائر الحقيقي.أما العرب فقد خسروا المعركة, وكذلك خسروا الحرب. قصة ابو مدين مع هزيمة الخامس من حزيران تعاد في نزاعنا مع داعش, لكن مع تغيير في طرفي المعادلة. لو أننا نحارب داعش لوحدنا, بنظامنا السياسي المتهاوي, بمجتمعنا المهزوم, بطوائفنا المتقاتلة, بفساد سياسيينا الذي لا يتحمله كتاب جينس للأرقام القياسية, لما قدر لنا أن نربح معركة ضدها, فكيف نقدر أن نكسب الحرب ذاتها؟! . لكن حمدا لله, لقد دخلت إلى جانبنا قوى إقليمية ودولية وجد بعضها نفسه إلى جانبنا لأن داعش خرجت من مساحة العمل ضمن القطاع العام إلى العمل في القطاع الخاص فصار وجودها يشكل تهديدا جديا من شأنه أن يشمل تجارة الجميع. وإني هنا لا أبخس قدر العراقيين الذين يقاتلون داعش بصلابة, لكننا حينما نتحدث عن مقومات النصر فإن الشجاعة لوحدها ليست كافية ولن تكون الحاسمة. وأرى أن داعش قد أجرمت بحق العراقيين مرتين. مرة لأنها داعش, بكل فكرها المتخلف وجرائمها ضد العراقيين عموما. ومرة ثانية لأنها دخلت على الخط وحرفت وجهة المعركة الحقيقية, فبدلا من أن تكون هذه المعركة موجهة بشكل مركزي ضد نظام اللصوص والطائفية والتبعية نرى داعش وقد نفخت في روح النظام من جديد ومنحته فرصة أن يعيد ترتيب صفوفه وأن ينظم عناوين المرحلة بحيث تتقدم المعركة ضد داعش المعركة ضده بعد أن تراجعت هذه المعركة الأخيرة من موقعها المركزي إلى موقع ثانوي. وكان من إرهاصاتها أيضا أن تصير عنوانا يختفي وراء سواتره جهلة طائفيون وسراق كان الأحرى أن يكون مكانهم السجون فإذا بهم اصبحوا أبطالا بلباس عسكري وهم يتجولون بجبهات القتال على طريقة صورني وأنا أقاتل. حتى سليماني قائد فيلق القدس الإيراني المسؤول عن مهمة تحويل العراق إلى ضيعة فارسية صار يتجول علنا في الأراضي العراقية وكأنه محرر لا محتل. داعش ستنهزم في النهاية. ربما لأن الحاجة إليها ستنتفي, لكن من المؤكد أن هزيمتها ستكون نتاجا لأيديولوجيتها التي وضعتها ضد العالم كله. لكن, مع هزيمة داعش, وبالطريقة التي نقاتل بها, فإننا سنربح معركة, لكننا سنخسر الحرب. وسوف لن تكون مفاجأة أن يكون من بين أرباح إنتصارنا في المعركة وجود رجال كان يجب ان يكون مكانهم السجون فإذا بهم وقد تحولوا إلى ابطال, وعقائد ليس فيها فضيلة تذكر سوى أنها كانت ضد داعش فتعود ووجهها القبيح ممكيج بمساحيق النصر المنهزم
|