ليتوانيا وروسيا ومرحلة اليورو


قبل ساعات فقط من البدء باستخدام اليورو كعملة رسمية بدلا من "الّيتاس" في جمهورية ليتوانيا ابتداءا من مطلع العام 2015 اعلن في تلك الدولة عن اعتقال خلية تجسس روسية تنشط في قاعدة جوية تابعة لحلف الناتو.
خطوة الانضمام لليورو في ظل هذا التوتر الكبير بين اوروبا وبين روسيا تعتبر خطوة تصعيدية من وجهة نظر السيد بوتين في مرحلة "ما بعد القرم"، خصوصا وانها تزامنت مع نشاط متزايد لحلف الناتو في منطقة البلطيق وهذا ما لا تطيقه روسيا. في المقابل فان المعسكر الغربي بشكل عام واوروبا بشكل خاص لا تريد لجمهوريات البلطيق الثلاث "ليتوانيا، استونيا، ولاتيفيا" ان تقع في احضان روسيا كما كانت سابقا في العهدة السوفيتية.
لقد سبقت عملية الانضمام لمجموعة اليورو سلسلة من الخطوات التصعيدية بين ليتوانيا والبلدان الداعمة لها من جهة وبين روسيا من جهة اخرى، ليتوانيا التي تعتبر اكبر جمهوريا البلطيق الثلاث عضو في الاتحاد الاوروبي وفي حلف شمال الاطلسي منذ عام 2004، استضافت مناورات ونشاطات عسكرية لحلف الناتو في اكثر من مناسبة، اهمها المناورات العسكرية التي اقيمت في نيسان وحزيران من عام 2014. وفي نيسان الماضي ايضا استضافت ليتوانيا اجتماعا غير رسمي لمعظم اعضاء مجلس الامن من اجل مناقشة الملف الاوكراني.
موسكو لم تكتف بالرد على ذلك بمناورات مشابهة في بحر البلطيق بل ايضا كانت تقوم بين الحين والاخر بخرق المجال الجوي لليتوانيا والعديد من البلدان الاخرى في المنطقة التي تربطها علاقة وثيقة بالناتو.
النفس الليتواني الممتعض من روسيا لم يكن مقتصرا على الماضي حينما كانت ليتوانيا اول جمهوريات البلطيق الثلاث التي اعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1990، بل ايضا خطابها الرسمي الحالي لا يحمل الود كثيرا لروسيا، ففي آب من عام 2014 وحينما حضرت قمة الاتحاد الاوروبي في بروكسل صرحت رئيسة ليتوانيا "داليا غريباوسكايتي" بأن "روسيا في حالة حرب مع أوكرانيا، يجب أن نساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، يجب أن نرسل إليها عتادًا عسكريا".
الليتوانيون يعانون كثيرا من جارتهم الكبرى، ليتوانيا بمعية البلدان الصغيرة في شمال اوروبا تمثل حلقة اضعف حيثما تحين لحظة المواجهة بين الكبار في المنطقة، انعكست بشكل مباشر وسلبي عليهم مضاعفات الخلاف السوفيتي الالماني، طموح هتلر الاستعماري وغطرسة ستالين لم تسمح للبلدان الصغيرة بان تقف على الحياد، ولهذا تبادل الاحتلال على ليتوانيا في اربعينيات القرن الماضي الالمان والسوفييت في اكثر من مناسبة. لكن الغلبة اخيرا كانت للسوفييت حينما اخضعوا ليتوانيا لاحتلال استمر حتى قبيل سقوط الاتحاد السوفيتي، ففي 11 آذار عام 1990 اعلنت ليتوانيا استقلالها. ان القلق الكبير من التاريخ يراود الليتوانيين كثيرا ويدفعهم لمزيد من الخطوات التي تضعها موسكو في خانة الاستفزاز وهذا ما يزيد الطين بلّة.