ا تظلم الشعوب عادة من قبل حكامها، ولا تسلب حقوقها، إلا إذا كان هناك تهاون وتفريط في كسب تلك الحقوق، فالعقل الجمعي هو من يحقق لها ما تريد، فإذا ما تقاعست أو تخلت أو خدعت لأكثر من مرة، فإنها ستكون مطيه مطيعة لكل من هب ودب.
العراقيون يخافون الحاكم ويصدقونه، كما يفعل الطفل الصغير عندما يهدد من ذويه، بوجود "الطنطل" أو "الآفة"، فيركع ويركن ويهوي الى أحضانهم، وهو يعلم بكذبهم عليه.
التسامح والوسطية والاعتدال والعمل سويا كفريق واحد، ومشاركة الأقوياء في الحكم، والفيدرالية، وتقسيم الثروات بصورة عادلة، والصفح عن الآخرين ما لم تكن أيديهم ملطخة بدماء العراقيين، كلها مشاريع طرحت، بعد عام 2003، لكنها رفضت جميعا، ومن الجميع تقريبا، ماعدا من يتبنونها.
بعد ذلك جربنا الطائفية وسفك الدماء، واتهام الآخرين جزافاً، والتعصب والتصلب في المواقف، والعمل بانفرادية بالحكم، وممارسة كسر العظم مع الآخرين، وتسميتهم خصوم بدل الشركاء، وتكريس حكم المركزية على المحافظات، وتقريب الفاسدين والصداميين، وإبعاد الشرفاء والكفوئين، وصلنا الى ما نحن عليه من بؤس وشقاء.
بعد عشر سنوات من الضياع والخراب، عدنا من جديد لنمجد التسامح والاعتدال، ونتحول الى الفدرالية، لكن فعلا بعد خراب البصرة وكل محافظاتنا المنكوبة، ولعل قانون المحافظات رقم 21 المعدل، يعيد اليسير مما فقد سابقا.
قرار حكومة العبادي بسحب طعن حكومة المالكي السابقة لهذا القانون، خطوة بإتجاه الأفضل، فهذا القانون ليس أفضل من الفيدرالية، لكنه بهكذا وضع إستثنائي يمر به البلد؛ يعد الفضل، لأنه سيعطي المحافظات صلاحيات ثمان وزارات، لكن التسليم سيكون في منتصف آب 2015، أي بعد إنتهاء ميزانية عام 2015 التي لم تقر موازنتها بعد.
الصلاحيات بلا أموال لا تمثل حلا ولا تجدي نفعا للناس، والأموال بلا صلاحيات إهدار لخيرات البلد وسرقة ممنهجة، المفروض هناك صلاحيات وأموال، وهذا ما نصحوا به أصحاب العقول الراجحة منذ عام 2003، ولا زالوا متمسكين به.
المركزية وبعد عقود من الديكتاتورية، لم تنتج لنا إلا الدمار والشتات، والمركزية بعد عشرة أعوام من الديمقراطية، لم تبني لنا مستشفى ولا مدرسة ولا ملعب ولا مسبح، برغم صرف المئات من المليارات.
قانون المحافظات وإن تأخر تنفيذه كثيرا، إلا أنه خطوة جيدة، لردم الهوة الواسعة بين المركز المحافظات، وهو الأفضل في الوقت الحاضر، حتى ولو كانت نتائجه سلبية في بعض المحافظات، لأنها حتما لا تكون أسوء مما حصل في الموصل، ولهذا يعد القانون الممر الآمن من المركزية إلى الفيدرالية.
|