كان في زمن هارون الرشيد رجلاً على قدر رفيع من الدين والزهد والورع يدعى سفيان الثوري وهو أحد أئمة المذاهب المندثرة ، إفتقده الرشيد فترة من الزمن ، و ذات يوم تذكره فسأل عنه فقالوا له يشكوا المرض ، فأشار الى حاشيته بضرورة زيارته للأطمئنان عليه لما لهذا الرجل من مكانة مهيبة بين الناس ، فلما دخل عليه الرشيد وجلس بجانبه أخذ يده وقال له ما أحسنها من يد أذا نفذت من الحساب يوم القيامة إنك مسؤول عن كل فرد من أمة محمد (ص) ، عندها إغتم الرشيد وشعرت الحاشية بذلك ، فبادر أحدهم وهمس في أذن سفيان الثوري قائلاً ... لقد غممت أمير المؤمنين وأفسدت له صفوه ، فبادر سفيان للرد عليه غاضبا ً ... أسكت ما أفسد فرعون إلا هامان .
هذا الموقف دعاني للبحث في موضوعة الحاشية وصُناع السلاطين والطواغيت ، فالحاشية عند الحُكام والملوك هى البطانة أوالمجموعة المنتقاة التى تلتف حول الحاكم سواء إختارهم هو أم تبرعوا هم بتقديم الخدمات.. إذن فللحاكم بطانتين، بطانة سوء وبطانة خير.. بطانة السوء تنظر ماذا يريد ثم تُزينه له، بل تُصفق له لتورطه، ولكن حين يسقط تتخلى عنه وتنفض أيديها وكأنها لم تكن الدافع ولا المُحرض لأفعاله.. وتلك المجموعة من البشر لا تُكلف بل تتطوع . أما بطانة الحق فهى المجموعة التى لا تلتف حول الحاكم إلا بواعز من ضمائرهم وبرغبة خالصة فى تقديم العون له خوفا من عقاب الله وحساب الضمير وتقديرا للأمانة الواقعة على عاتقهم.. بل تتصدى بقول كلمة الحق عند الحاكم الظالم سواء كان ذلك بالنصيحة مرة أو بالإلحاح مرات.. حتى لو تركوا المنصب وزهوته إرضاءً لمبادئهم. إن جوهر عمل الحاشية الحقيقي يكمُن فى كونهم عيون الحاكم التى يرى فيها هموم الناس وقضاياهم وحاجاتهم وبالتالي يبني الحاكم سياساته على ضوء المعطيات المقدمة من الحاشية . إن من جنى على نوري المالكي هم تلك الحثالة اللذين ألتفوا حوله التفاف الحبل حول الرقبة ، شلة من المنتفعين والانتهازيين والأغبياء قادتهم مصالحهم إلى تزيين وتجميل أغلب سياساته الخاطئة له، وأنهت حقبته السوداء التي امتدت لثمانية سنين عجاف استفحل فيها الارهاب والفساد وهدر الثروات وبناء الأرصدة الفلكية في البنوك الخارجية لهذا التافه او تلك الإمعة بعدما تركهم يرتعون فساداً في الوطن تحت ذريعة النضال والجهاد المزيف ، الذين أقنعوه بإعلاء مصلحتة ومصالح حزب الدعوة وكتلة دولة اللا قانون فوق مصالح الوطن العليا، فقادوه كالأعمى إلى مصيره المحتوم و بداية عزلته
السياسية . تلك الحاشية التى لم تتورع عن ممارسة الفساد ونهش خيرات البلد تحت مسميات عدة ، هكذا وقع المالكي وانزلق ، وأملنا أن يعي السيد العبادي هذ الحقائق وأن يعمل على تجنب حاشية السوء. لكن ما زلنا نرى للأسف الكثير من الوجوه الأستفزازية تدور في فلك العبادي وتتسيد المشهد مما يستوجب العمل على اتخاذ خطوات تصحيحية في إبعاد تلك الوجوه التي عاثت في الارض فسادا بل أحرقت الحرث والنسل ، أنهم شله من السماسرة والتجار تتاجر بمصالحها مقابل لعبها دور الناصح الأمين.. فأحذر يا سيادة رئيس الوزراء من حاشية السوء التي تريد الفتك بالوطن ، واعلم ان حاشية الحق والخير هى المطرقة التى سوف تقضى بها على أخطاء الماضي الأسود ، والمعول الذى سوف تبنى به صرح المستقبل لأولادنا وأجيالنا اللاحقة.. فابحث عن حاشية تُعينك بقوة دفاعها عن مصلحة الوطن ، وأبتعد عن حاشية تورطك بتغليب مصالحها مقابل مصلحة العراق وشعبه .