بناء الانسان غايه ساميه في كل النظريات الاصلاحيه والاديان السماويه على الاطلاق لذا نرى ان اول مايستهدفه الفساد هو الانسان بحد ذاته وتحديدا الضمير الانساني الحي ومتى ما استهدف الضمير الانساني واصبح في مرمى الفساد فتحل بذلك الطامة الكبرى .....
وعندما يستهدف الانسان وضميره فان الغايه الاسمى في المجتمع ينحصر في كيفية الحصول على المال كهدف اسمى وهنا يتحول الانسان من ذلك الكائن الحضاري الرائع الى كائن بهيمي همه بطنه وفرجه وجيبه ....
لذا فليس من المستغرب ان نرى في المجتمعات الموبؤة بالفساد هامشية الانسان كقيمه عليا وموقع المال كقيمه اسمى وهنا نرى كيف تتلاشى القيم الاخلاقيه العليا للفرد والمجتمع قسرا وتعلن هزيمتها ولو الى حين امام القيم الماديه والشهوات البهيميه المبتذله نظرا لسطوة المال وقوة تاثيره على مجريات الحياة الانسانيه في كل العصورؤ والازمنه .
الثورات الانسانيه التي حصلت في حقب متفاوته من التاريخ البشري كان احد اهم اسبابها هو استشراء الفساد وطغيانه واستبداده المفرط بحق الانسان وحقه في الحياة بكرامه ونبل ولا نذهب بعيدا في اعماق الحقب التاريخيه الموغله في القدم للثورات الانسانيه بل نقتصر الاشاره الى اهم الثورات التي حصلت في العصر الحديث .... الثوره الفرنسيه مثلا كان اهم وابرز عوامل نشوءها هو العامل الاقتصادي ومدى الفساد الذي غاص فيه المجتمع الفرنسي مما مهد الطريق للاصلاحيين الفرنسيين الى استنهاض الهمم لدى الشعب الفرنسي واقدامه على التغيير .... وتلتها الثوره البلشفيه في روسيا على فساد حكم القياصره الى الحد الذي وصل بهم الحال الى بيع مقاطعه شاسعه من الاراضي الروسيه للولايات المتحده حيث ياعت الحكومه القيصريه مقاطعة الاسكا الر وسيه للولايات المتحده مقابل بضعة ملايين من الدورات..
ان حالة انعدام الضمائر لدى الحكام الفرنسيين والروس انذاك ادت الى نشوب اعظم ثورتين في العصر الحديث وهاتان الثورتان ادتا الى تغير الكثير من المفاهيم على امتداد اكثر من قرن من الزمن .....
كلما اوغل الفساد في مد جذوره في اعماق المجتمعات الانسانيه كلما ظهرت الحاجه اكثر واكثر الى التغيير والثوره والاصلاح وكلما كان هناك من الدوافع لاستنهاض الضمائر والهمم الانسانيه النبيله باتجاه اجتثاث الفساد واقتلاعه من جذوره ....
اليوم ونحن في العراق نواجه موجه عارمه من الفساد تقودها قوى طاغيه ومتعجرفه ومافيات دوليه واقليميه ومحليه ولا سيما ونحن نعيش في مجتمع ثري جدا يغري الفاسدين ويدفعهم باتجاه قتل روح الانسان العراقي وحصر تفكيره بفسحة بسيطه جدا وهي فسحة الامان المعدومه بحيث اذا خير المواطن بين كل ما يملك وبين فسحة الامان لاختار الفقر المدقع والتخلي عن كامل حقوقه بالتمتع بثروات بلده مقابل توفير بعض الامان له وهذا ما نراه ونسمعه من الناس عبر وسائل الاعلام والفضائيات ان مطلبنا هو الامان والامان فقط والذي اصبح عمله نادره في المجتمعات الفاسده وهذه هي قمة الماْساة الذي يعيشه المواطن العراقي امام انعدام الضمائر وموتها لدى قادة مافيات القتل والفساد.... واليوم ونحن نعيش عصر العولمه نرى انه من العسير جدا الخلاص من ربقة مافيات الفساد لان الفساد اصبحت ظاهره دوليه تسيطر على مجمل المقدرات الدوليه ومن الصعب جدا الخلاص من براثنها الا بقدرة قادر قدير بامكانه تفكيك ماكنة الفساد العالميه وارجاع الحقوق الى اصحابها ونصابها وانا الان لا اتكلم من موقع الياْس والقنوط ولكن من منظار الواقع المؤلم المسيطر كالاخطبوط على مقدرات العالم اجمع وهذا ما يحتاج الى ثوره حقيقيه عظمى تقلب موازيين الامور لصالح الانسان المظلوم والمهدورة حقوقه وقيمه واخلاقياته وضميره .