الطيش سور للوطن
كما ان معتقداتنا طقوسية في الغالب نرثها معلبة بالكامل عن ابائنا وامهاتنا ومحيطنا ، فان هذا الارث انسحب على ما نتبناه من افكار لا تمت للمعتقدات بصلة . منذ ان نشأتُ ، ومعي ابناء جيلي المنكود ، كنت اقصف يوميا بمدفعية الاعلام البعثي الفاشوشي التي لم تدع منقبة نزلت على الكون الا و الصقتها ظلما وعدوانا بالجيش العراقي الذي تؤثم ان لم تصفه بانه باسل . و شئتُ أم ابيتُ كنت اردد مع الببغاوات ما قاله الجواهري في نونيته الخالدة : جيشَ العراق ولم ازل بك مؤمنا ... وبانك الامل المرجى والمنى . طبعا من حق سلطان شعراء العمود ابي فرات ان يتغنى بالجيش كما تحلو له قريحته المبدعة ، اذ لديه من التفجر اللغوي الملهم والملكة الشعرية المتدفقة ما يسهل عليه قلب الحق باطلا والباطل حقا . لكننا لسنا مجبرين على مسايرة الرجل فكرا بالقدر الذي نسايره شعرا ، ثم ان الرجل نظم نونيته العسكرية بعد انقلاب ٥٨ الذي اطاح بالملكية الدستورية الشرعية "مع الاسف" . وانا على يقين من ان الجواهري لو اتيح له بعد ذلك ان يطمس ذكرى نتاج من نتاجاته الادبية لطمس هذه القصيدة التي اصبح مطلعها كالعلكة في افواه البعثيين وهم لا يدرون - لغبائهم المطبق - بانها غمة عليهم و ليست نعمة لهم . لا يوجد بشر على الارض لا يسره ان يفخر بانجازات جيش بلده ، لان هذا التنظيم الاستهلاكي بامتياز ، يفترض ان يدين له اي شعب في الحفاظ على الارض والعرض معا . لكنني تصفحت الايام السود التي فتحت عيوني من خلالها على الدنيا مطلع الثمانينيات فلم اجد مثلبة الا و كان رائدها هذا الجيش الذي يعقد المرحوم الجواهري كل اماله وأمانيه على بساطير جنوده . بدءا من حرق قرى كردية على رؤوس سكانها الكادحين منتصف السبعينيات ، الى الحرب المجنونة على ايران وانتهاء بهزيمة الموصل المذلة واخواتها الاكثر اذلالا ، يمتد حبل غليظ من الاجرام والهزائم التي تحققت على يد مؤسسة انفق عليها ما يكفي لاقامة آلمانيا اخرى على ارض المريخ . سل اي جندي عن الفظائع التي ارتكبت بحق اهالي المحمرة "خرمشهر" وهي عربية بامتياز الا ما استعجم منها . يحكي لي جندي زاملته مطلع الثمانينات في الفيلق الرابع بالعمارة انه فتح نيران رشاشته الالية على محل راق لبيع معلقات الاضاءة الباذخة المصنوعة من الكريستال لانه وجد نفسه عاجزا عن سرقة اي قطعة منها و ادخالها الى العراق لضخامة حجمها ، ففاتته غنائم الفرس المجوس !!! اما انتهاك الاعراض في المناطق العربية من محافظة خوزستان " ٦٥ ٪ عرب " فهو مما تندى له حتى جباه الخنازير . حلبچه ، الانفال ، حملات ابادات الشيعة والمعارضين في اهوار الجنوب ، تطهير السجون ، اغتیالات علماء و مراجع ، حملات اعدامات عشوائية كانت تشن يوميا بل وفي كل ساعة على الهاربين من قتل اخوانهم المسلمين في الجبهة الايرانية الممتدة لاكثر من الف كيلومتر ، تجريف بساتين باكملها ، تجريف بلدات باكملها ، تنظيم مقابر جماعية ما اكتشف منها على هوله لا يعادل ما لم يكتشف حتى الان ، مطاردة الهاربين من خدمة شياطين العوجة وازلامها في بيوتهم وانتهاك اعراضهم و ابادة ذويهم . ما اقترفته قواتنا من جرائم بحق اهالي الكويت التي كانت جسرا لامداد العراق بالمال والسلاح السعودي لتغذية الحرب ضد ايران . سرقات العراقيين من الكويت بما فيها احتياطي الذهب وارشيف الاخوة الاعداء . ممارسة ابشع انواع التنكيل بكل من علقت بثيابه رائحة الانتفاضة الشعبانية التي هتكت استار النظام الحديدي . تحول وحدات الجيش العراقي وقادته من وسيلة لحفظ كرامة الشعب الى الة رعب توجهت سبطاناتها الى صدور الابرياء العزل بمن فيهم الاطفال والنساء والعزل . هل يكفي هذا ؟ ام نحتاج الى سرد المزيد من فظائع جيشنا الباسل ؟ لا اتحدث عن مسلحي بوكو حرام في نيجيريا ، انه تاريخ قواتنا البطلة في نصف قرن . فباي شيء سنفخر بعد اليوم ؟ و عن اي منجز سنتحدث لاولادنا الذين اتوا او الذين سياتون ؟ انه سلسلة كارثية مترابطة الحلقات من البطش والفتك والقتل والتدمير و الكيمياوي وغازات الاعصاب واهدار الموارد وفقدان الارض والعرض والمياه معا . كل هذا وياتي بطران يتلو عليك بحماس نشيد : الطيش سور للوطن ... يحميه ايام المحن ... ارواحنا ، اجسادنا ، تفدى له بلا ثمن ، الجيش سور للوطن ، ثم يلعن اميركا التي تتآمر علينا نحن المسلمين . ولم اسمع في حياتي ولا اريد ان اسمع عن بلد يفدي فيه المواطن روحه للجيش ، فيما تنص انظمة تاسيس الجيوش على ان العسكر هو الذي ينبغي له التضحية من اجل من ائتمنوه على ارواحهم . كل ٦ كانون وانتم في انجاز آخر باذن الله .