الجهود المبذولة في إطار خفض نفقات الموازنة لابد ان تتحول الى ستراتيجيات ثابتة للوصول الى "موازنة مثالية" في الأعوام المقبلة، ستراتيجيات مانعة للفساد وضاغطة للمصروفات الكمالية، وكلاهما يأكل جزءاً كبيراً من اموال الموازنة، ستراتيجيات ضامنة لتعديل النظام الضريبي والتشجيع على دخول المستثمرين، وإذا ما نجحنا في تقديم موازنة سليمة ومتوازنة للعام 2015 فإننا سنمهد الى ان تكون موازنة 2016 "موازنة مثالية" وقابلة لتغطية نفقات واحتياجات الدولة كافة، وكان مجلس الوزراء قرر الموافقة على تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير المالية وعضوية كل من وزراء النفط والكهرباء والصحة والتجارة والتخطيط والدفاع والداخلية والتعليم العالي ومحافظ البنك المركزي والخبراء المختصين، وتتولى هذه اللجنة عادة ترتيب أولويات الموازنة الاتحادية، على ضوء الملاحظات المطروحة لأعضاء مجلس الوزراء، بما يؤدي إلى تقليص العجز الكبير الذي تعاني منه، نعتقد ان مرحلة "البحبوحة المالية" التي أنتجت الفساد ولم تنتج الرخاء قد انتهت، والمسؤولية الوطنية والاخلاقية تحتم إجراء مراجعات لكل ابواب الإنفاق الحكومي وتفاصيله. ويأتي ـ على سبيل المثال ــ قرار اللجنة المالية في مجلس النواب خفض 86 مليار دينار من النفقات المخصصة لرئاسة الجمهورية في موازنة العام الحالي في هذا الإتجاه، وحسب عضو المالية النيابية "موازنة رئاسة الجمهورية كانت 103 مليارات دينار" وقد حذفت اللجنة الخماسية المشكلة من قبل رئاسة الوزراء 86 مليارا ً منها، والمتبقي 17 مليار دينار، والمبلغ الأخير قابل للتخفيض أيضاً، وقد تصرفت رئاسة الجمهورية بمسؤولية وطنية عالية في موقفها من هذه القضية، وان هذا التخفيض لا يشمل فقط رئاسة الجمهورية وانما تقوم كل لجنة برلمانية باستدعاء الوزير المناظر لها من أجل تخفيض نفقات وزارته، ونأمل من هذه التخفيضات تغطية العجز ومنع أي ضرر يصيب المواطن، ومن الملفت للنظر قيام مجلس الوزراء بمناقشة قانون الموازنة العامة والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في الجلسة نفسها، وهي خطوة مهمة وذات مغزى كبير نظراً لما يمثله الفساد من خطر كبير على الموازنة المالية للدولة. ان السياسات المالية والنقدية الخاطئة مسؤولة عن كثير من المشاكل الاقتصادية مثل التضخم، البطالة، والتباطؤ في النمو الاقتصادي، وربما يمكن معالجة هذه المشاكل عن طريق تخفيض النفقات والضرائب وتخفيض البيروقراطية، وتستند الاستراتيجية المصممة لتخفيض النفقات على اعتبارات عديدة اهمها تخفيض معدلات التضخم عن طريق احتواء وتخفيض النمو النقدي تدريجياً، والحفاظ على حوافز القطاع الخاص خاصة الضرائب المنخفضة على الدخل، وتخصيص النفقات العامة بما ينسجم مع اهداف الضرائب والقروض والاستناد الى التقدير المعقول لتوقعات النمو الاقتصادي. ومن أجل مواجهة الضغوط التضخمية يجب ان يكون هناك ترشيد مهم في النفقات العامة، فالاستهلاك العام التبذيري والمبالغ الكبيرة غير الضرورية يجب تخفيضها، ولكن الحكومة احياناً لا تملك حرية تخفيضها اذا تناولت اغراضا معينة، نلاحظ انه من غير العملي تخفيض عدد العاملين في القطاع العام لاسباب سياسية وانسانية. و الشيء نفسه يمكن ان ينطبق على كثير من النفقات مثل نفقات الدفاع والداخلية والإغاثة، كما تجد الحكومة صعوبة في تخفيض الرواتب والاجور والمساعدات الاجتماعية. وغالبا ما يترافق الانفاق التبذيري مع زيادة في المساحة المتاحة للفساد خاصة في فترة الانتقال من النظام الدكتاتوري الى نظام التعددية الذي تكون فيه الحكومة اكثر انفتاحا ًعلى الجمهور، وتزداد الخطورة اذا وصل الفساد الى المستويات السياسية العليا الامر الذي يجعل السيطرة عليه في المستويات البيروقراطية اكثر صعوبة، وهكذا فان السياسة المالية امامها كثير من فرص النجاح في اوقات الركود الاقتصادي. لكن هذه الفرص تضيق في ظل اوضاع التضخم، ومع ذلك فان السياسة المالية تكون اوفر حظا ً في النجاح اذا كانت مدعومة بسياسة نقدية ناجحة، وفي بعض الحالات مثل بقاء نسب الضرائب بدون تغيير. فان تخفيض النفقات يؤدي الى انخفاض في الناتج والاستخدام لكنه يحسن ميزان المدفوعات بسبب انخفاض الطلب على الاستيرادات، وفي الاحوال التي يصعب على الحكومة اجراء تخفيضات مهمة في النفقات العامة، قد تلجأ الى رفع مستوى الايرادات الضريبية لسد العجز المالي في النفقات العامة، الامر الذي يؤدي الى اضرار بالغة في الحوافز المقدمة للقطاع الخاص، كما ان المستويات العالية للضرائب تؤدي الى عزوف القطاع الخاص عن القيام باستثمارات جديدة والابتعاد عن الاستثمارات المنتجــة التي تتضمن درجة عاليــة مـن المخاطرة، والنتيجــة النهائية هي انخفاض الإنتاج ومما لاشك فيه ان هذه الزيادات سواء في الضرائب او القروض او غيرها من مصادر التمويل تتيح للحكومة فرصة توسيع القطاع العام وما ينتج عن ذلك من ارتفاع معدلات التضخم وتقليل حرية النشاط الخاص ومنع استخدام المصادر بكفاءة ومن ثم تقليل فرص النمو في الامكانات الانتاجية للاقتصاد الوطني، فضلاً عن العوائق الاقتصادية التي تواجه الحكومة اثناء محاولاتها تخفيض النفقات العامة، فانها تواجه صعوبات ومشاكل ادارية وسياسية ايضا، فالحكومات لديها ادوات محدودة لتبني ستراتيجية فاعلة لتخفيض النفقات عندما تواجه نقصا في الايرادات، وربما تكون من اهم الاسباب هي عدم كفاية المعلومات التي توفرها الموازنة ذاتها حيال صرف التخصيصات مما يجعل الامر صعبا بالنسبة لمراقبة تنفيذ الموازنة بصورة فعالة، وقد يرتب قانون الموازنة والتعليمات قيوداً على قدرة الحكومة على اجراء تخفيض ستراتيجي في النفقات. إن تفعيل الدور الرقابي في المؤسسات الحكومية من أجل وقـف هدر المــال العام في السياق نفسه خطوة مهمــة لإلغاء النفقات غير الضرورية في موازنة 2015 لتفادي العجز في الموازنة، وإن الأزمة يمكن تفاديها بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، ووضـع تدابير "سليمة" لجباية الرسوم والضرائب لا تؤثر في كاهل المواطــن، وتوسيـع باب الاقتراض الداخلي بإطلاق السندات والتريث بالتورط في ديــون خارجية لأنها تحمل أعباء كبيرة على البلاد، وهنــاك مساع حكومية لمعالجة عجز الموازنة بسبب هبوط اسعار النفط عبر سلسلة اجراءات تقشفية من شأنها توفير مــا لايقل عن 13 مليار دولار، فضلاً عن التوجه الحكومي للتصرف بـ50 بالمئة من احتياطي مصرفي الرافديـن والرشيد، فضـلا عــن الاقتراض من رصيد المصرف التجاري وصندوق القاصرين، ويشمل التقشف “النفقات الكماليـة والسيادية” التي تشكل 10بالمئـة مـن مـوازنــة البــلاد.
|