الى اولئك الذين أعمى الله قلوبهم قبل أبصارهم ولم يهتدوا

 

يشهد العالم الاسلامي من أقصاه الى أقصاه هذه الايام ورغم ما يمر به من مصائب دموية جمة فرضت عليه بمخطط صهيواميركي مدعوم ببترودولار خليجي؛ يشهد إقامة احتفالات كبيرة بالمولد النبوي الشريف تختلف في تفاصيلها وطقوسها من بلد لآخر من طائفة لأختها لكنها اجتمعت على التعبير عن حب الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإكرام ذكرى مولده الشريف التي تُعتبر ولادة جديدة للبشرية مصحوبة بنور الوحي ورسالة الاسلام المحمدي الخالدة.

وتزامنت الاحتفالات التي يحييها المسلمون بذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام مع احتفالات رأس السنة الميلادية، وهو حدث يتكرر مرة كل 33 عاما تقريبا، حسب مرصد القطامية الفلكي بمصر.

الاحتفال بميلاد وسيرة الرسول الخاتم (ص) هو تذكير بقيم الخير والفضيلة حيث تحيي الأوساط الاجتماعية والفعاليات الثقافية والدينية ذكرى المولد الشريف بالمدائح النبوية والأشعار والكلمات المعبرة عن المناسبة المستوحاة من المناسبة مشددين على أهمية تزكية النفس المسلمة والانطلاق من هذه الذكرى في مسيرة التصحيح القيمي والأخلاقي على مستوى الفرد والمجتمع، وان محمد الأمين (ص) جاء لمعالجة أمراض النفوس والقلوب التي تجعل الانسان يظلم أخاه الانسان والقوي يأكل الضعيف كما كان وضع العرب في عصر الجاهلية الظلماء .

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو تأكيد لما جاءت به الرسالة السماوية السمحاء بضرورة الوعي واليقضة وكسب العلم واستنكار واقع الأمة الاسلامية لناحية انتشار الكثير من مظاهر الانحراف والفساد والجريمة والعبودية لغير الله سبحانه وتعالى والتزلف للسلطان الجائر وتقديسه وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يؤشر على ضعف ارتباط الأمة بنبيها المبشر والمنقذ؛ والتشديد على أهمية القران الكريم باعتباره الدستور الخالد والمعجزة الأبدية، والتأكيد على أهمية الوحدة ونبذ التفرقة والاهتمام بتربية النشء والحفاظ عليهم في أجواء الفتنة والإغراءات العاصفة والفتن الدنيوية التي تكتسح الساحة الاسلامية وتزهق أرواح الابرياء والعزل وتنتهك المقدسات وتستبيح الأعراض، تلك التي أكد الله سبحانه وتعالى على حرمتها ووجوب رعايتها.

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو علامة ودّ ومحبة لرسول الله (ص) التي لا يعرفها على حقيقتها إلا من عرف مكانة النبي الأكرم (ص) الذي ناداه مولاه العلي القدير في القرآن الكريم بقوله: "يا أيها النبي"، و"يا أيها الرسول"، بينما نادى بقية الأنبياء بأسمائهم؛ علامة محبتنا للرسول الأكرم (ص) ما تعني سلك طريقه والدعوة الى سبيله والى معرفته حق المعرفة والنهوض بتعاليمه وتذكير الأمة بتوصياته التي أغفلوها وتغافلوا عنها حباً بالدنيا والسلطة والمقام والقبلية الجاهلية ونكراناً للجميل ورفضاً لمواقف النبي الصادق الأمين (ص) التي تجسد فضيلة الرحمة في شخصيته المباركة، وان لا تكون سنة رسول الله (ص) في واد وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا في واد آخر كما هو حال الكثير من علماء البلاط مؤسساتهم الدينية يهرولون من وراء الريال والدرهم والدولار "والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" سورة التوبة: الآية 34 .

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة حسنة كما وصفها العلامة الشهيد الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطى، وليست بدعة كما يدعي بعض الذي حرفوا وزورا تفسير الكتاب والسنة على أهوائهم الشهوانية ورغباتهم الشيطانية ومرضاة لولي النعم الملك والأمير الذي لايعرف من الايمان حتى ألفه، مشددين ان الاحتفال "بدعة" فيما الاحتفال بشفاء الملك والحاكم واعتلائه السلطة أو عودته الى البلاد أو افتتاحه لمشروع أو ... من الاحتفالات الدنيوية مثل "الجنادرية" وغيرها المليئة بالفسق والفجور ليست ببدعة طالما تؤمن رغبة سلاطين بلاط البترودولار الذين أفسدوا الدين والكتاب والسنة ومزقوا الامة وعصفوا بها برياح التفرقة والاقتتال والتناحر والتقاتل والذبح وقطع الرؤوس والسبي والتدمير والحقد والعداء .

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو من باب محبة الرسول (ص) وتعظيمه الذي أمرنا الله سبحانه تعالى بتعظيمه في أكثر من آية منها ما جاء في تفسير الآية الكريمة "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" - سورة الأعراف : الآية 157؛ حيث قال الطبري في جامعه "وعزروه معناه عظموه" حيث يقول تعالى ذكره فالذين صدقوا بالنبي الأمي وأقروا بنبوته وعزروه يقول وقروه وعظموه؛ وجاء في "التفسير الكبير" للرازي ما نصه "وعزروه يعني وقروه"، وقال القرطبي في جامعه " فالذين آمنوا به وعزروه " أي وقروه ونصروه، وقال ابن الجوزي في زاد المسير في تأويل وعزروه عظموه وفي الدر المنثور للجلال السيوطي ما نصه ؛ عن ابن عباس في قوله "وعزروه" يعني عظموه ووقروه .

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس كما يدعي اصحاب البدع والتفاسير الشهوانية البعيدة كل البعد عن اصل الاسلام وأسسه وقواعده وعقائده وجاء مالم ينزل بها نص ولا حديث ولا رواية، فألصقوا تهمة "البدعة" به في وقت لا يعرفون معنى البدعة ويجهلونها، فيما الاحتفال بالمولد يعني الاحتفاء به(ص)،والاحتفاء به أمر مقطوع بمشروعيته لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه فعرف الوجود بأسره باسمه ومبعثه وبمقامه وبمكانته فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحجته؛ وليس كما يدعونه من أنه "تشبه بالنصارى" لما يقومون به في احتفالات ذكرى الميلاد .

يقول الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق: "ان الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات لأنه تعبير عن الفرح والحب له ومحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصل من أصول الإيمان وقد صح عن أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"، مضيفاً: "ان أصل الاجتماع لاظهار شعائر الاحتفال ليلة المولد مندوب وقربة لان ولادته أعظم النعم علينا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم وهذا ما رجحه ابن الحاج في المدخل حيث قال: لان في هذا الشهر منَّ الله علينا بسيد الأولين والآخرين فكان يجب أن يراد فيه من العبادات والخير وشكر المولى على ما أولانا به من النعم العظيمة"؛ كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظ بن الجوزي وابن كثير والحافظ بن دوحي الأندلسي والحافظ بن حجر العسقلاني والشاطبي والسيوطي والسخاوي وابن عابدين والحافظ عبد الرحيم العراقي والحافظ شمس الدين ابن الجزري وأبو شامة (شيخ النووي) والشهاب أحمد القسطلاني والكثير من كبار العلماء والرواة وأصحاب الحديث .

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يوحد الأمة الاسلامية المتفرقة ويبعّد الناس عن الضلالة والكفر بالاضافة الى التركيز والتأكيد على الوحدة الوطنية والأخوة الاسلامية والتلاحم الايماني الرباني، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن إقامة الاحتفال بمولده المبارك (ص) مستحب وسنة إسلامية حسنة، حيث المحتفلون بمولد سيد الكائنات محمد (ص) لم يشركوا بالله ولم يجعلوا النبي (ص) شريكا لله عز وجل بل يعتبرونه من خيرة عباد الله الصالحين ويذكرون في الاحتفال فضائل ومناقب ومكارم اخلاق رسول الله (ص) ويبرزون حبهم وعشقهم لمقام النبوة لأنه يجب على المسلم الحقيقي ان يحب النبي الاعظم أكثر وأشد من حبه لآبائه واقربائه، ومن يخالف شرع الله ويعادي رسوله (ص) ويمنع الناس من إبراز الحب والعشق لمقام النبي محمد (ص) جاهل بعيد عن الاسلام المحمدي ولا قيمة لآرائهم المتعصبة المتشددة أصلا فكلنا نعشق رسول الله (ص) ونفديه بأرواحنا وأنفسنا.

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس بالبدعة طالما لم يقام على اعتباره من اصول الدين وليس اضافة للدين في أصوله ولا في فروعه وإنما تعبير إيماني صادق عن المحبة التي يكنها الانسان المسلم المؤمن لرسول المودة والمحبة (ص) وما جاء به من هداية للبشرية جمعاء وإخراجهم من الضلالة الى النور ومن الشرك الى الهداية والتعبير عن توقيره، وهو حراك علمي ثري يمثل في دراسة السنّة النبوية الشريفة والسيرة العطرة لرسول الانسانية والمحبة والرأفة والرحمة والمودة محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سيرة المسلمين سنة وشيعة جرت على إحياء هذه الذكرى العطرة من قبل أن يظهر بيننا بعض أدعياء العلم وهم لا يعلمون شيئا، وبعض أدعياء الفقه وهم لا يفقهون، ولم يدركوا عظمة مقام النبي محمد (ص) بالمطالبة بتحريم هذه العادة الاسلامية وهذه السنة الحسنة المستحبة تحت ذريعة باطلة وحجج واهية وهي إن الاحتفال بمولده (ص) بدعة وشرك بالله وضلالة وحرام، في الوقت الذي لم يعرفوا معنى البدعة والشرك وعبادة غير الله سبحانه وتعالي، وهو ما يقيمون به كبارهم بتقديسهم وعبادتهم للملوك والأمراء دون الله سبحانه وتعالى من أجل الريال والدرهم والدولار.

ندعو هؤلاء الذين أعمى الله قلوبهم قبل أعينهم ولم يهتدوا الى الصراط القويم أن يتمعنوا قليلاً بما يقوله كبيرهم الذي علمهم التزوير والانحراف ابن تيمية في ذلك : "قَدْ يُثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك مَا يُحْدِثُهُ بَعضُ النَّاس إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما مَحبَّةً للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له، والله قد يُثيبهم على هذه المحبَّة والاجتهاد، لاَ عَلَى البِدَعِ"- في اقتضاء الصراط المستقيم في ص297، أو كما أنشد الحافظ شمس الدين محمد الدمشقي وهو من كبار أئمتهم، في ذلك:

إذا كان هذا الكافـــــر جـــاء ذمه بتبـت يداه في الجحيم مخلــدا

أتى أنه في يوم الاثنيـــن دائمــــاً يخفف عنه للســرور بأحمــدا

فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا