أروع قصائد الرثاء العربي - الحلقة الرابعة - كريم مرزة الأسدي


!!تماضر الخنساء أجملهم ، الشعراء الجاهليون يندبون

تماضر الخنساء و دريد بن الصمة رثاءً ، ومن هو ابن حذام؟ ، ويزيد بن خذاق ، متمم بن مالك ، عبد الله بن عمر بن العزيز ، ربيع الأسدي ، مسكين الدارمي ، وأخو الخنساء صخر بن عمرو.. وغيرهم استطراداً

 

وصل إلينا الشعر العربي تام النضوج مكلالاً بتاج امرئ القيس أميرهم ، وحامل لوائهم ... ، ومحكما حكيماً رصيناً بلاميتهم على لسان الصعلوك اللامملوك الشنفرى ناصر الإنسان والمرأة والحرية ، وأول صلة شاعرية بين العرب البائدة والعرب الباقية بعاربتها ومستعربيها ،هي ندب وبكاء ورثاء وإليك ما نقله عبد القادر البغدادي في خزانته : " قال ابن الأثير في " المرصّع " : ابن حذيم شاعر في قديم الدهر، يقال إنّه كان طبيباً حاذقاً، يضرب به المثل في الطبّ فيقال: " أطبّ بالكيّ من ابن حذيم " ، وسمّاه أوسٌ حذيماً - يعني أنّه حذف لفظ ابن - فقال: عليمٌ بما أعيا النطاسيّ حذيماً ويقال ابن حذام أيضاً، وإنّه أوّل من بكى من الشعراء في الديار، وهو الذي سمّاه امرؤ القيس في قوله: ( الكامل ) :

عوجا على الطّلل المحيل لعلّنا *** نبكي الدّيار كما بكى ابن حذام

وابن خذام بالخاء المعجمة أشهر، وقيل هما اثنان. وقال في الخاء المعجمة: ابن خذام هو المذكور في حرف الحاء على اختلاف الروايتين، فمنهم من جعله إيّاه ومنهم من جعلهمااثنين. ويقال: إن هذا البيت الذي في قصيدة امرئ القيس له، وهو: ( الطويل)

كأنّي غداة البين حين تحمّلوا *** لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل" (15)

وقد اختلف في ضبط اسمه فالذي رواه الآمدي ابن خذام بمعجمتين،وقال ابن رشيق في " العمدة " : الذي أعرف أن ابن خذام بذال معجمة وحاء غير معجمة كما روى الجاحظ وغيره ،ومثله للعسكريّ في " كتاب التصحيف " قال: ومنهم امرؤ القيس بن حمام ابن عبيدة بن هبل بن أخي زهير بن جناب بن هبل. ويزعم بعضهم أنّه الذي عنى امرؤ القيس بقوله: نبكي الديار كما بكى ابن خذام وكان يغزو مع مهلهل، وإياه أراد مهلهلٌ بقوله

لما توغّل في الكراع هجينهم *** هلهلت أثأر جابراً أو صنبلا

فالهجين هو امرؤ القيس بن حمام. وجابر وصنبل: رجلان من بني تغلب (16)

ويقال أول من ندب نفسه - كما أسلفنا ، وما استشهدنا - هو يزيد بن خذاق الشني ، يذكره الثعالبي في (لباب أدبه) قائلاً :روى له أبو عبيدة قوله :

هل للفتى من بنات الدهر من واق *** أم هل له من حمام الموت من راق

ومنها قوله الذي سار مثلا :

هون عليك ولا تولع بإشفاق *** فإنما مالنا للوارث الباقي (17)

وهذا ابن داود الأصبهاني في (زهرته) ، دعنا نقتطف من ندبها ما يندب العين ندباً :

ذكروا أن متمم بن نويرة كان لا يمر بقبر، ولا يذكر الموت بحضرته إلا قال: يا مالك ثم فاضت عبرته ففي ذلك يقول :

وقالوا أتبكي كل قبر رأيته *** لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك

فقلت لهم إن الأسى يبعث البكا ****ذروني فهذا كله قبر مالك

والحقيقة أنّ أخوة القرابة من أقرب القرابات وأمتنها و ولم يتوجع الإنسان العربي منذ الجاهلية إلا بـ (آخ) ، ويمدّ همزتها مداً ، وتأمل عبيد بن الأبرص كيف عبّر عن حاجته إلى أخيه بقوله : إني امرؤ في الناس ليس له أخٌ *** إما يسر به وإما يغضب

وهاك الآخر قصي بن كلاب ، وهو يصورمدى تعلقه بأخيه ، وامتناعه به

رزاحٌ ناضري وبه أسامي *** فلست أخاف ضيماً ما حييتُ

دريد بن الصمة :

نعود لرثاء الأخ ، وإليك من رائعة دريد بن الصمة، إذ يرثي أخاه عبد الله الذي قتله غطفان :

أرَثَّ جَدِيدُ الْحَبْلِ مِنْ أُمِّ مَعْبَدِ ****** بِعَاقِبَــــةٍ وَأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدِ

وَبَانَتْ وَلَمْ أُحْمِدْ إِلَيْكَ جِوَارَهَا*** وَلَمْ تَرْجُ فِينَا رِدَّةَ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ

أَعَاذِلَ إِنَّ الرُّزْءَ فِي مِثْلِ خَالِدٍ *** وَلاَ رُزْءَ فِيمَا أَهْلَكَ الْمَرْءُ عَنْ يَدِ

وَقُلْتُ لِعَرَّاضٍ وَأَصْحَابِ عَارِض* وَرَهْطِ بَنِي السَّوْدَاءِ وَالْقَوْمُ شُهَّدي

عَلانِيَةً ظُنُّوا بألفَـــيْ مُدَجَّجٍ *******سَرَاتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ

أمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ****فلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ

فلمَّا عَصَوْني كنْتُ منهُمْ وقد أرَى ******غِوَايَتَهُمْ وأنَّـني غيرُ مُهتَدِ

ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ****** غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ

وإنْ تُعقِبِ الأيامُ والدهرُ تعلمُوا ********بَني قاربٍ أنَّا غِضَابٌ بِمَعْبَدِ

تَنادَوْا فَقالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فارِسًــا ********فقُلتُ أَعَبْدُ اللهِ ذِلِكمُ الرَّدِي

وإِنْ يَكُ عَبْــــدُ اللهِ خَلَّى مَكَانَـهُ ******* فَمَا كَانَ وَقَّافًا ولا طائشَ اليَدِ

ولا برِمًا إذَا الرياحُ تَنَاوَحَـتْ *******بِرَطْبِ العِضَاهِ وَالضَّرِيعِ المُعَضَّدِ

كَمِيشُ الإِزَارِ خارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ *******صَبُورٌ علَى العَزَّاءِ طَلاَّعُ أنْجُدِ

رَئيسُ حُرُوبٍ لا يَزَالُ رَبيئَةً ******* مُشِيحًا عَلَى مُحْقَوْقِفِ الصُّلْبِ مُلْبَدِ

صَبُورٌ على رُزْءِ المَصَائِبِ حافِظٌ ****** مِنَ اليَوْمِ أَدْبَارَ الأحَادِيثِ فِي غَدِ

صَبَا ما صَبَا حتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ ******* فلمَّا علاهُ قـــالَ للباطِلِ ابْعُدِ

وهَوَّنَ وَجْدِي أنَّنِي لَمْ أقُـــــــلْ لَهُ ******* كَذَبْتَ ولَمْ أَبْخَلْ بِمَا مَلَكَتْ يَدِي

وكُنْـــــــتُ كأَنِّي واثِقٌ بِمُصَــــدَّرٍ *********يُمشِّي بأَكْنَافِ الحَبِيبِ فَمَحْتِدِ

غَدَاةَ دَعَاني والرِّمَاحُ يَنُشْنَهُ*********كوَقْعِ الصَّيَاصِي في النَّسِيجِ المُمَدَّدِ

وكُنْتُ كَذَاتِ البَوِّ رِيعَتْ فَأَقْبَلَتْ ***********إلى جِذَمٍ مِن مَسْكِ سَقْبٍ مُجَلَّدِ

فطَاعَنْتُ عنهُ الخَيْلَ حتَّى تَبَدَّدَتْ ******** وحتَّى عَلاني حالِكُ اللَّوْنِ أَسْوَدُ

طِعَانَ امْرِئٍ آسَى أخَاهُ بنَفْسِـــهِ *********** وأَعْلَمُ أنَّ المَرْءَ غَيْـــرُ مُخلَّدِ

وهَوَّنَ وَجْدِي أنَّمَا هُـــوَ فَارِطٌ ********** أمَامِي وأنِّي وارِدُ اليـــومِ أو غَدِ

وغَارَةٍ بينَ اليــــومِ واللَّيْلِ فَلْتَةٍ ********** تَدَارَكْتُهَا رَكْضًا بِسِــــيدٍ عَمَرَّدِ

سَلِيمِ الشَّظَا عَبِلِ الشَّوَى َشنِجِ النَّسَا ****** طَوِيلِ القَرَا نَهْدٍ أَسِـــــــيلِ المُقَلَّدِ

ويُخرِجُ مِنهُ صَـــرَّةُ القومِ مَصْدَقًا *******وطـــــولُ السُّرَى دُرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ

منها قوله يصف مصرع أخيه : و

أخ أرضعتني أمه من لبانها ******** بثدي صفـــاء بيننا لم يجدد

فجئت إِليه، والرماح تنوشه ***كوقع الصياصي في النسيج الممددِ

وكنت كذات البَوِّ ريعت فأقبلت *********إِلى قطع مِنْ جلْدِ بَوٍّ مُجَلَّدِ

فطاعنْتُ عنه الخيل حتى تنهنهتْ ***وحتى علاني حالك اللون أَسْوَدِ

قتال امرئ آســــى أخـــاه بنفسه ******** ويعلم أن المرء غير مُخَلَّدِ

تنادوا فقالوا: أَرْدَتْ الخيل فارسًا ********فقلت: أعبد اللهِ ذلكُمُ الرَّدِى؟

فإِن يــكُ عبد الله خلَّى مكـــــــانه ******* فما كان وقافًا ولا طائِشَ اليدِ

والأصفهاني صاحب (الأغاني) ، يعرّفنا بهذا الدريد نسباً وصفة، وأخوة في جزئه العاشر قائلاً :

هو دريد بن الصمة. واسم الصمة، في ما ذكر أبو عمرو، معاوية الأصغر بن الحارث بن معاوية الأكبر بن بكر بن علقة وقيل علقمة، بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن.

وكان فارساً شجاعاً شاعراً فحلاً، وجعله محمد بن سلام أول شعراء الفرسان. وقد كان أطول الفرسان الشعراء غزواً، وأبعدهم أثراً، وأكثرهم ظفراً، وأيمنهم نقيبةً عند العرب،قتل يوم حنين. اوكان لدريد أخوةٌ وهم عبد الله الذي قتله غطفان، وعبد يغوث قتله بنو مرة، وقيس قتله بنو أبي بكر بن كلاب، وخالدٌ قتله بنو الحارث بن كعب، أمهم جميعاً ريحانة بنت معد يكرب الزبيدي أخت عمرو بن معد يكرب كان الصمة سباها ثم تزوجها فأولدها بنيه.

الخنساء :

نعود للخنساء ، والعود أحمد ، وقد قالت في أخيها :

وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ***** من الأجر لي فيه وإن عظم الأجر

وأجزع أن تنأى به بيـــــن أهله *******فكيـــــف ببين صار معتاده الحشر

وقالت أيضا :

يا صخر بنت فهاجني تذكاري ***** شأنيك عاش بذلة وصغار

كنا نعد لك المدائح كلها *******فاليوم صرت تناح في الأشعار

وقالت أيضا :

ألا يا صخر إن أبكيت عيني *** فقد أضحكتني دهرا طويلا

بكيتك في نساء معولات *****وكنت أحق من أبدى العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حي ** فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل **** رأيت بكاءك الحسن الجميلا

ولما مات عاصم بن عمر بن عبد العزيز جزع عليه أخوه عبد الله فرثاه فقال :

فإن تك أحزان وفائض عبرة **** أثرن دما من داخل الجوف منقعا

تجرعتما في عاصم واحتسبتها ***** لأعظم منها ما احتسى وتجرعا

فليت المنايا كن صادفن غيره ********فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا

وقال ربيع الأسدي يرثي أخاه :

كأني وصيفي شقيقي لم نقل **** لموقد نار آخر الليل أوقد

فلو أنها إحدى يدي رزئتها ** ولكن يدي بانت على إثرها يدي

وقال آخر في أخ له قتل :

زعموا قتلت وعندهم عذر **** كذبوا وقبرك ما له عذر

والله لو بك لم أدع أحدا ******* إلا قتلت لفاتني الوتر (18)

سأطيل المقام ، وما كنت راغباً بالإطناب ، ولكن لكل مقام مقال والحديث عن الأخ شجون لا تطال ، وهذا مسكين الدارمي (ربيعة بن عامر بن أنيف - بالتصغير- بن شريح الدارمي التميمي) ، يقول :

أخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخــــاً لَه *** كســـــاعٍ الى الهيجا بغير سلاحِ

وإِن ابن عم المرء فاعلم جناحُه *** وَهَل ينهضُ البازي بغير جناح

ومن حقّ السيدة الخنساء ، بل من دواعي تلبية دوافعها الغريزية وحاجاتها العاطفية أن تندب أخويها ، وتبكيهم وترثيهم ، و المرأة - عموماً - تجيد الندب والرثاء ، لعواطفها الجياشة ، ودموعها السبّاقة ، ولوعتها الشجية ، و آهاتها النفسية ، لا يهمني إن تعددت الأراء والندب واحد ! وكما ذكرنا عن ندب الجليلة جليلة بنت مرّة زوجها وحظها ،في الحلقة السابقة ، فلا مناص من التطرق إلى ندب تماضر الخنساء لأخويها ، والشيء بالشيء يُذكرُ ! يقول داود الأنطاكي في (تزيين أسواقه في أخبار عشاقه) عن صخر بن عمرو :وكان من أشجع العرب وأكرمهم وأجملهم، وكانت تحبه سلمى بنت عوف بن ربيعة بن حارث الرياحي، وصخر هذا هو أخو الخنساء المشهورة فيه بالشعر.

وكان عاهد سلمى على أن لا تتزوج بعده وهو كذلك عاهدها، وكان يقول إذا نظر إليها لا أكره الموت إلا أنه يفرق بيني وبين هذه. فلما كان اليوم المشهور بيوم الكلاب وهو الذي تحارب فيه بنو عوف وبنو الحرث، التقى صخر مع ربيعة بن ثور العوفي الأسدي بعدما غلبت بنو الحرث على بني أسد ونهبتهم فطعن ربيعة صخراً، وكان رمح صخر قصيراً فأصاب ربيعة في بطنه حلقاً من الدرع فمرض صخر سنة بالطعنة، فكانت أمه تلاطفه وقصرت سلمى في خدمته، فسمع يوماً امرأة تقول لأمه كيف حال صخر ؟ فقالت نحن بخير ما دمنا نرى وجهه، وسألت امرأته أخرى فقالت لا حي فيرجى ولا ميت فينعى، فغم لذلك وأنشد :

فأي امرىء ساوى بأم حليلة *** فلا عاش إلا في عنا وهوان

وحكى في النزهة أنه جلس يوماً ليستريح وقد رفع سجف البيت فرأى سلمى واقفة تحدث رجلاً من بني عمها وقد وضع يده على عجيزتها فسمعه يقول لها أيباع هذا الكفل فقالت عن قريب.

فقال صخر لأمه علي بسيفي لأنظر هل صدىء أم لا فأتته به فجرده وهم بقتل سلمى، فلما دخلت رفع السيف فلم يستطع حمله فبكى وأنشد :

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه *** وقد حيل بين العير والنزوان

وهذا مثل يضرب للعجز والبيت والذي قبله من قصيدة لصخر وأولها :

أرى أم صخر لا تمل عيادتي *** وملت سليمى مضجعي ومكاني

وما كنت أخشى أن أكون جنازة **** عليك ومن يغتر بالحدثان

آهم بأمر الحزم لو أستطيعه ***** وقد حيل بين العير والنزوان

وبعد موته ، تزوجت سلمى بعده. (19)،

هذه هي الدنيا حوت يأكل حوتاً ، والعيت بالعين ، والسن بالسن ،والبادي أظلم ، والتاريخ أطلم ، لا تستطيع رؤيتنا أن تخترق الحواجز وغبار السنين المعتمة ، لاسيماأنّ أحادث العصر الجاهلي لم تدوّن ، وصلتنا على ألسنة الرواة ، والرواة كما يقال (حبْ واحجي ، واكرهْ واحجي !!) ، وإن دوّنتْ لم تغربلْ ، وإن غربلتْ ( كلّ واحد يحيد النار لكرصته ). نعود لخنسائنا التماضر ، والعود أحمد وأجمل !!

:( 575 م - 24 هـ / 645م التعريف بالخنساء

يذكر صاحب الأغاني عن نسب الخنساء هي : بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ، واسمها تماضر ، والخنساء لقب غلب عليها وفيها يقول دريد بن الصمة ، وكان خطبها فردته وكان رآها تهنأ بعيراً - كامل -

حَيُّوا تُماضِرَ واربَعُوا صحبي *** وقِفُوا فإنَّ وقوفَكُمْ حسبِي

أخُناسُ قد هامَ الفؤادُ بكمْ **********وأصابه تَبْل من الحُبِّ

فأرسلت إليه ما كنت لأدع بني عمي وهم مثل عوالي الرماح وأتزوج شيخاً ، فقال - وافر-

وقاكِ الله يا ابنةَ آل عمروٍ **مِن الفتيانِ أشباهي ونَفْسِي

وقالت إنّني شيْخٌ كبيرٌ ****** وما نَبّأْتُها أنِّي ابنُ أمس

فلا تلِدِي ولا يَنكحْكِ مثلي **** إذا ما ليلة طرَقَـتْ بِنَحْسِ

فقالت الخنساء تُجيبه - وافر -

مَعَاذ اللهِ يَنْكِحُني حَبَرْكَى *** يقال أبوه من جُشَمَ بنِ بكْرِ

ولو أصبحْتُ في جُشَمٍ هَدِيّاً **إذاً أصبحْتُ في دَنَس وفَقْرِ( 20)

لعلك ترى بوضوح ، كيف كان حال المرأة في ما يسمى بالعصر الجاهلي ، وحريتها في إبداء رأيها بجرأة متناهية في قضية الزواج ، وهي قضية حساسة جداً ، دون تحرّج أو إحساس بالضعف ، بل ترد الصاع صاعين في حججها الغريزية ، والنفسية ! ولك أن تعلم قد سميت تماضر لشدة بياض لونها وكانت بارعة الجمال وغلب عليها لقب الخنساء ( وهو مؤنث أخنس ) وهي صفة تأخر الانف عن الوجه أو انخفاض قصبته ولم يفت سادات العرب وفرسانهم أن يتقدموا لخطبتها غير السالف الذكر الـ ( الحبركي) ، ولو كنت تعلم من هذا الحبركي عندها ؟! هذا

سيد بني جشم، وفارسها المظفر الدريد بن الصمة المذكور، وما كان يخاف شيئاً، فقد شارك في نحو مائة معركة، ما اخفق في واحدة منها ، كما يقول صاحب ( أغانيه) (21 ) ، ورفضت مثله سيد بني بدر !!

نعم كانت المرأة الخنساء قوية الشخصية ، حرّة التفكير ، بارعة الجمال ، شاعرة المراثي ، نجدية المعاني ، شامخة بكبرياء لحسنها الفتان ، واثقة الخطى والنفس بطمأنينة عزّتها في بيت كريم ، وأب سيد قومه فتى الفتيان ، إلى أن تقدم لخطبتها ( رواحة بن عبد العزى السلمي ) وتزوجها وأنجبت منه أبو شجرة ،عبد الله . طبعاً شاعرتنا أسلمت ، وأصبحت صحابية جليلة ، فهي شاعرة مخضرمة ، ويذكر كرنكوف في ( دائرة المعارف الإسلامية ) ، و تقدم اليها مرداس بن ابي عامر السلمي، الملقب بالفيض لسخائة.. ذلك بعد مقتل صخراثناء حدادها على أخيها وابيها، ومات المرداس في احدى مغامراته تاركاً للخنساء أربعة بنين (22) ورثته بقصيدة ، لا توازي ما ندبت بها أخويها. أطلّ علينا الصباح ، ونتوقف عن الكلام المباح إلى فرصة تُتاح !! والسلام في الختام للقرّاء الكرام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعتذر عن ذكر المراجع والمصادر حتى طبع الكتاب !