يعرف المسلمون اليوم كما هو بالامس قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح التي ورد ذكرها في القران الكريم في سورة الكهف ابتداءا من الاية رقم 60 مع احتساب البسملة ولكن هذه القصة خلقت الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام الكبيرة التي عجر المفسرون الاوائل كما المفسرون الحاليون عن الاجابة عليها وخلقت اكثر من شبهة وتعارض مع بعض الثوابت القرانية والاسلامية في عصمة الانبياء وعلو كعبهم على غيرهم , وسنورد في الاسطر القادمة هذه التساؤلات التي عجز المفسرون عن الاجابة عليها فكما نعلم ان الله تعالى امر سيدنا موسى وهو من اولي العزم من الرسل على اتباع عبد صالح وهو كما يقول المفسرون الخضر وقد اختلف المفسرون على كونه نبيا ام لا والرأي الاغلب عند هؤلاء انه ولي صالح (زاده الله في العلم) وقال بعض الصوفية جزنا بحرا وقف عند شاطئه الانبياء في اشارة الى هذه القصة القرانية وعندما تعلق بالامر بسيدنا محمد قال كل الانبياء احجموا عن خوض هذا البحر الا سيدنا محمد والسؤال كيف يحجم انبياء عن اتيان بحر ولجه الاولياء وما هي الميزة للنبي محمد على غيره من الاولياء كونه ولج بحرا ولجوه هم ؟
لقام العبد الصالح بالقصة القرآنية بثلاث اعمال ظاهرها كان شرا كبيرا وباطنها كان خيرا فقد اعطب سفينة , واقام جدارا في قرية رفض اهلها اطعامهما وقتل صبيا لم يبلغ الحلم , وكان اشد هذه الافعال هي قتل الصبي الذي لم يبلغ الحلم وكيف يمكن ان نسوغ قتل صبيا بحجة انه سيكون فاسقا عندما يكبر ؟
وهل بالامكان ان نسقط القصاص عن من قام بهذا الامر وان ادعى انه بوحي اليه ؟
وكيف يقتل صبيا لانه سيفسق ويترك الفسقة الاخرين بالنمو حتى يصبحوا شبابا لهم القابلية على اتيان الفسوق والكفر ؟
والسؤال الاهم لما أحجمت التوراة عن ذكر مثل هذه القصة او الاشارة اليها ؟
فالقصص القرانية عن حوادث قوم موسى قد ورد ذكرها في التوراة ايضا , فالقران الكريم اورد وقائع مذكورة في التوراة الا انه اختلف معها بالتفاصيل فقد ورد في القران اتخاذ قوم موسى العجل ولكن التوراة اتهمت هارون بذلك الا ان القران الكريم اتهم السامري , اورد القران الكريم خبر موسى وفرعون وهو مشابه للقصة التوراتية الا في بعض التفاصيل لكن هذه القصة المتعلقة برفقة موسى لعبد صالح لم تذكر بالكتاب المقدس الموجود بين ايدينا بالمرة ! ترى لماذا غفلت التوراة عنها ؟ حتى وان قال البعض ان التوراة محرفة ولكن التحريف الذي في التوراة لا يبرر لنا اختفاء هذه القصة من التوراة اذ كان بامكان المحرفين للتوراة ان يقدموا لنا القصة بشكل اخر عما ورد في القران الكريم . ولكن من يعرف التاريخ اليهودي جيدا يعلم كل العلم ان بجانب التوراة هناك تلمودا وهو اشبه بالاحاديث النبوية عند المسلمين وقد تداوله اليهود شفاهية وتناقلوه فيما بينهم تناقلا شفهيا كما تناقل المسلمون الاحاديث الى ما يقارب المائتي عام ولكن كما نعلم ان التلمود وبسبب قدمه واختلاطه بالاساطير فقد احتوى على امور غريبة كثيرة جدا ولكنها لا تخلو من الصحة إذا ما قارناها بما ورد في القران الكريم فقد ذكرت قصة موسى والعبد الصالح في التلمود على شكل رؤيا او كشف روحي مع الرابي يوحنان حيث وردت القصة كالاتي
" يحكي أن الرابي يوحنان بن ليفي صام وصلى للرب لكي يجيز له رؤية إلياهو الملك, الذي رفع حياً الى السماء. فاستجاب الله لدعائه,فظهر له إلياهو على هيئة رجل .توسل الرابي الى إلياهو قائلاً: دعني أتبعك في طوافك عير البلاد, وأراقب أحوالك وأفعالك ,فأكسب لنفسي حكمة و فهما. قال إلياهو: لا , فأفعالي لا سبيل الى فهمها, وتصرفاتي لا صبر لك عليها ,فكيف تصبر على ما ليس لك به علم ؟.
لكن الرابي أقام على توسله: لن ترى مني أي ازعاج أو تساؤل , ولكن اسمح لي أن اتبعك في دربك. قال إلياهو :إذاً هلم, ولكن ليلزم لسانك الصمت, وعند أول سؤال تسالينه, أو أول إشارة تعجب منك, فهو فراق ما بيننا ".
" فجال الاثنان معاً عبر البلاد, وبلغا بيت رجل فقير لم يكن يملك من المال وأسباب الرزق سوى بقرة, فلما اقتربا خف الرجل و امرأته الى استقبالهما واستحلفاهما بالدخول الى كوخهما وتناول الطعام والشراب من الميسور لديهما, وبأن يمضيا الليل تحت سقفهما, فهذا ما كان, فلقيا كل الحفاوة من مضيفيهما الفقيرين الكريمين.و في الصباح قام إلياهو مبكراً يصلي, فما إن فرغ من صلاته حتى وقعت بقرة الفقيرين ميتة , ومضى الرفيقان في رحلتهما. فأخذت الحيرة من الرابي يوحنان كل مأخذ ,فقال لإلياهو: لم يكفنا أن ننكر عليهما أداء حق ضيافتهما و خدماتهما الطيبة بدفع أجرة ما, بل و تبادر الى إهلاك بقرة هذا الرجل الطيب..فقاطعه إلياهو: صه,فلتسمع أذنك ولتبصر عينك, ولكن فلتصمت.فإن أنا أجبتك فهو فراق بيني و بينك ". " و تابعا طريقهما معاً وعند المساء وصلا دارة واسعة فخمة, يسكنها رجل غني متعجرف, فلقي الرجلان استقبالا هزيلاً, وقدمت لهما قطعة من الخبز وكأس ماء, حتى أن صاحب البيت لم يكترث بمجرد الترحيب بهما أو الحديُث معهما, فباتا ليلتهما هناك مهملين. وفي الصباح لاحظ إلياهو أن جداراً في البيت بحاجة الى اصلاح, فأرسل في طلب النجار و بذل أجرة الاصلاح من ماله, بأن هذا كما قال رد لكرم الضيافة التي لقياها. فتملك العجب من جديد الرابي يوحنان ,لكنه لم ينطق بحرف, وتابعا طريقهما قدما ". ويستمر التلمود برواية هذه القصة وبالاعتماد على ما ورد في هذه القصة وكون التلمود قصص روت شفاهة فهذا يعني ان اصل القصة كان موجودا لدى اليهود وهم يعلمون بها والا لما لم يسطر القران ولا كتب السنة ولا المرويات الاخرى أي اعتراض من قبل اليهود على النبي محمد عند روايته لتلك القصة في القرآن الكريم ؟! هذا الامر من عدم الإعتراض يدل على علمهم بها وعلمهم بان القصة التي لديهم فيها من الزيادة ما فيها وان ما ورد بالقرآن الكريم هو النسخة الصحيحة لتلك القصة , ولكن المستفاد من هذه القصة انها تشير وبصورة لا تقبل الشك على ان الامر كله كان في عالم الخيال والرؤى ولم يجري على وجه الحقيقة وهو سيكون مدخلنا في فهم القصة القرآنية في ضوء هذا المعطى المهم
نلتقيكم مع الجزء الاخر ان شاء الله تعالى
|