كل يتأمل عدوه مغنيا على ليلاه

لا يلعن السياسيون الفساد، حبا بالشعب، ولا يتوجهون للفساد بحد ذاته، انما يطعنون بمناوئيهم، من خلال لعن الفساد، الذي يسهم معظمهم في جزء كبير منه.

يكتفون بتوجيه التهم، يكيلونها لاعدائهم، من دون ان يفكروا بايقاد شمعة تضيء الظلام، فيتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر...

انهم لا يريدون النور، انما يكثفون سدف اعتمة، حتى تكاد تلمس، من اجل اطلاق التهم الجاهزة بحق منافسيهم، وما اسهل تعتيق ورقة تثبت ان هذا بعثي وذاك مفسد.

بان هزال العملية السياسية، في العراق، حتى سامها كل سائم، مشرعة المقاتل، اما المتصيدين في الماء العكرة، نفاذا الى ترسيخ قضاياهم الشخصية، من خلال الطعن بالفساد، كلاما غير مشفوع باجراء عملي رادع، بل شكم النفس الامارة بالفساد، في اضعف الايمان.

لذا ومن خلال رصدي الاعلامي للمرئي والمكتوب والمسموع، واثناء احتكاكاتي الاجتماعية بالساسة، اجدهم كلهم يلعنون الفساد، اعلاميا واجتماعيا، ويسهمون فيه... علنا وليس سرا.

ومع قصور احتجاجاتهم؛ لأنها محصورة بالكلام لا الفعل، فهم لا يعترضون على الفساد كفساد، انما يعترضون على نظرائهم المفسدين؛ احتجاجا على الايغال الذي لم يبلغوه.

فالبعض يطعن بالمفسدين لتسقيطهم شخصيا، او كنوع من دعاية انتخابية للذات، او لاسباب ذاتية يعلمها هو وحده، وليس من باب الاخلاص الوطني للشعب العراقي.

فهذا يشتم الفساد من زاوية معينة، وذاك يشتمه من اخرى، فمثلا احدهم يحمل دول الجوار مسؤولية تسببها بالفساد، من خلال عملاء داخل العراق، يشهر بهم؛ ليس شرفا، بل لأن تلك الدولة لم تنتدبه هو عميلا لها، اذن حين يلعن الفساد، فهو يرشح نفسه لأداء هذا الدور.

إذ يقال ان احدهم، ظل يكيل الملاحظات على قصور اداء وزارة الداخلية، في عهد رئيس الوزراء الاسبق نوري السعيد، ضاربا مثلا بين جملة واخرى: لو كنت انا وزير الداخلية، لما سمحت بكذا ولفعلت كذا؛ فلخص نوري سعيد الموقف بالاهزوجة الشعبية: تموتين وما آكلج باجلة.

وعودا للفساد، يظهر المفسدون على الفضائيات، يصبون جام غيظهم على رئيس الوزراء نوري المالكي، مثلا، او الكرد او الشيعة او السنة او دول الجوار؛ ليس لأنهم شرفاء يستفزهم الفساد ويقرع مليون جرس في آذانهم، بل لأن مصالحهم تضررت من المالكي او الكرد او الشيعة او احدى دول الجوار.

كلمن عدوه كبال عينه.. يتأمله ويغني على ليلاه، بينما الشعب حصاة ملقاة بين جبال، يتبادلون لوي الاذرع ببيعها سوما في سوق النخاسة.. تفجيرات وتظاهرات، لتمرير مصالح شخصية وفئوية، وليست وطنية!