باريس ضحية للارهاب رغم جمالها


كم شاعر واديب تغنى بباريس ولياليها ، وكم قرأ الناس كتب فكتور هيجو و بلزاك ومولير و الكسندر دوماس واميل زولا وبودلير، وروايات مدام بوفاري وغادة الكاميليا والبؤساء و احدب نوتردام والزنبقة السوداء ، وكم ابدع فنانوها مونيه وسيزان وكوربيه وسلفادور دالي وغيرهم في الرسم والتشكيل .
وكم متع هواة السينما انظارهم بمفاتن بريجيت باردو وشنف الناس اذانهم بصوت اديث بياف واستمتع طلاب الملذات بعروض الطاحونة الحمراء وتعطرت العاشقات بعطور دي شانيل وذاق الملايين من مفاتن باريس ما لذ وطاب .
ظلت باريس منذ انطلاق شرارة كومونة باريس و الثورة الفرنسية قبلة العشاق والتحرر والكفاح من اجل الحرية والعدالة والمساواة ، واحتضنت على مر القرون ثقافات الشرق والغرب ، ولطالما كانت ملجا للمناضلين امثال هوشي منه والفنانين امثال بيكاسو والكتاب امثال همنجواي ومن الفنانين العراقيين صلاح جياد والفنان الراحل محمد سعيد الصكار و المناضل الراحل علي باباخان ، وكانت بفخر اساس انطلاق ثقافة طه حسين وادونيس وكاظم جهاد وجواد علي الطاهروالمفكر الاقتصادي ابراهيم كبه وما لايحصى من الاسماء والاعلام في العالم العربي .
باريس موطن مونتسكيو وجان جاك روسو وفولتير وكليمنصو وميتران وجان بول سارتر و باستور ، ها هي اليوم تتعرض الى هجمة وحشية تفتك بعدد من كتابها وصحفييها ورساميها.
ان الهجوم على مبنى صحيفة شارلي ايبدو صباح الامس لا يمثل خرقا للامن فقط وانما هو خرق للاخلاق التي تدعي انها اخلاق اسلامية ، وتجري تحت تكبيرة الله واكبر ظلما وعدوانا ، فما علاقة الله باغتيال اعلام الثقافة الذين يعملون بقناعة فكرية ويعبرون عن ارائهم سواء اقبلنا بها ام رفضناها ، كيف نجيز قتل من يختلف معنا اذا كنا ندعي ان الدين الاسلامي هو دين رحمة وتسامح وهو دين يصلح للانسانية جمعاء ولكل زمان ومكان .
ان الممارسة خير من الف برهان نظري ، فالتطبيق العملي هو الذي يحدد الفكر الذي يدعيه المفكر ، ولا قيمة لتنظير يخالف التطبيق . الاسلام ، يقع في مأزق كبير اليوم ، فاذا كان التطبيق العملي هو القتل والذبح والاغتيال ، فاي فائدة في الاصرار على ان الاسلام النظري او الفكري ليس هذا ، ولذلك قيل قديما ان اعمالهم تدل عليهم .
ان ما وقع في باريس صباح الامس يوجب التطلع لعهد جديد يفرض على الغرب - اوربا وامريكا واليابان وروسيا والصين - الاتفاق على ازالة اثار التخلف والجهل في بلدان ومجتمعات العالم الثالث لكي تستطيع الوقوف على قدميها ومواكبة دول العالم التي اجتازت دروب الجهل والفقر والبؤس والتخلف بما تمتلك من علوم وصناعات ، وقد حل اوان وضع اسس جديدة للتعاون مع بلدان ومجتمعات العالم الثالث بعيدا عن الحروب وامتصاص الثروات واستنزاف موارد البلدان الفقيرة وجعلها مزارع خلفية للغرب المتقدم .
آن الاوان للعمل على تغيير العالم الثالث ومساعدة شعوبه كي ينهضوا بمسؤولياتهم في بناء عالم جديد يعيش الانسان فيه بسعادة ورفاه وعدالة ، اسوة بغيره من مجتمعات وبلدان متطورة ، ليتخلص من الفكر المتطرف ايا كانت مصادره ، سواء دينية او اخلاقية او اجتماعية .