صرخة !!! في سوق الصفّافير


اتجنب في ما اكتب - ما استطعت الى ذلك سبيلا - الخوض في شؤون شخصية او نشر صور مع مسؤولين على مستو -نعال ، لعلمي بانها ذروة النرجسية التي تجلب الاستياء اضعاف ما تجلبه من الاستحسان . المدرسة التي يدرس فيها محمد وزهراء يتلقى فيها التعليم ما يربو على خمسة الاف طالب "متوسطة واعدادية" شؤونهم تدار - ولا ادري كيف - مثل ساعة رولكس سويسرية دقة . ومن مِنن الله - التي لا استحقها - عليَّ ان الاثنين منخرطان منذ الصغر في برنامج تعليمي خاص بالموهوبين ضمن مجموعة صغيرة من الزملاء . يأتي موعد الامتحانات ويذهب ولا ادري به ، رغم متابعتي اللصيقة لمستواهما الدراسي من خلال الرسائل الالكترونية التي يبعثها الكادر التدريسي والادارة يوميا الى جانب حضور ندوات المتابعة . ولعل محمدا المغرم بلعبة "الفيفا" الالكترونية ، يكثف من نشاطه الكروي كلما اقترب موعد الامتحانات ، رغم انه في سنته الاعدادية الاخيرة ويتهيأ لدخول الجامعة . وايام الامتحانات كسائر ايام السنة الدراسية نخرج معا للتسوق وربما نغزو مطعما افغانيا او ايرانيا يقدمان ما يُزعم انه كباب أو كبسة . المرض العضال الذي يشاطرني فايروسه الكثير من المغتربين ، هو كابوس المقارنة في كل شيء بين وطن لفظني كنواة تمر بصري ، وآخر وجدني شريدا فآوى ومنحني الدفء رغم قساوة ثلج الشتا. ومن اجحاف ان تقارن بين نظامي التعليم في البلدين . العراق يدخل خلال ايام الامتحانات النصفية في حالة من التأهب القصوى تشبه الى حد كبير حالة قوات الامن الفرنسية اليوم . اما اقتراب موعد الامتحانات النهائية وخاصة للصفوف المنتهية "بكالوريا" فتعني نهاية العالم ، حتى يخيل للطالب بانه داخل في يوم الحساب وليس امتحان في مادة الحساب . ولا عتب على الطالب ولا على اولياء الامور ، فقد سن الاداريون سنة سيئة منذ عقود و على الطالب ان يعمل بها ويمتثل لشروطها من دون ان يكون له اي خيار . ولاتسمع خلال حالة التاهب هذه الا عبارة : عند الامتحان يكرم المرء او يهان . لا لون رمادي في المعادلة ، يسود يبيض ، اهانة او اكرام ، لا توجد منطقة وسطى . شخصيا كان خياري الوحيد ايام الدراسة محسوما ، فقد كنت اكرم فقط في درس الرسم "الفنية" . لماذا يتحمل الطالب الفتيُّ كل هذا الضغط النفسي الهائل وتداعياته الكارثية ؟ واين نتيجة كل هذه التعبئة العامة التي يضاعف من ضغطها على الطلاب المساكين تدهور الاوضاع الامنية والخدمية وخاصة الكهرباء المتغنجة ؟ هل سوى اننا نتذيل قائمة انظمة التعليم في العالم المتحضر . ولست مقارنا بانظمة التعليم في بريطانيا او المانيا او اليابان ، انما اقارن بانظمة تعليم في بلدان آسيوية وأفريقية كان العراق يتبرمك عليها من فورته النفطية في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي . ينقل لي زميل دراسة سابق ان ابنته علقت لافتة على باب غرفتها الموصدة تدعو ابويها واخوانها الى تجنب طرق الباب حتى وهم يدعونها الى وجبة طعام ، وانها بررت حالة النفير القصوى بمقولة نابليون التي يؤثر فيها دخول ميدان حرب على قاعة امتحان !!! لا تستغرب لو انك سمعت في العراق بان فلانا او علتانة فقد او فقدت شيئا او الكثير من وزنها ايام الامتحانات !!! وهذه جنحة قانونية يجب ان يحاسب عليها المتسببون فيها . التغيير لا يتطلب سوى الشعور بشيء من الاحساس الحقيقي بالمسؤولية لدى من تصدوا للمسؤولية عن ادارة قطاع التعليم . وقد تنطلق خطوات التغيير ببحث بسيط في ماكنة البحث "گوگل" او تنظيم لقاءات فديو بدوائر مغلقة للاطلاع على ما وصل اليه التعليم الحديث في العالم . وقد يصبح الطالب المجد طبيبا او مهندسا او صيدلانيا او محاميا ناجحا بنصف التوتر الحالي وربع الجهد المبذول ، لكن ضمن نظام مدروس . فهل من مدّكر ؟ اعلم جيدا انها صرخة "حتى لا اقول شيئا آخر" في سوق الصفافير ببغداد لا يسمعها حتى مُحدثها .