غياهب المسلة ... بقلم/ عبد صبري أبو ربيع


  •  

    من التراب والى

    التراب تعود

    آدم .. والسماء

    أغضبها جحود

    وبالدم تعمد الوجود

    وأنت من طين لازب

    وكل ما فيك ينقلب

    دود ودود

    فصنعت للأنسان

    وحش ٌ مفترس

    وعقل عنيد

    النواح صار أغنية

    والدمعة للحزن شهود

    وفي العراء مرح ٌ كالفضاء

    أسوق مركبتي الصغيرة

    صنعتها من أسلاك فقيرة

    والعصافير غناء

    ينافسني صديقي

    والنهار كالسماء

    أملؤها حباً ولم

    يدركني مر العناء

    مبتسم ٌ .. مرح ٌ

    رغم شحيح الاشتهاء

    هبطت علينا ضفادع

    امتلأت كل الشوارع

    تتقافز كالمصارع

    والسماء انحنت بكل صيبها

    ترمي المزيد

    والناس من الودق

    يتحجرون ...

    صحت يا صديقي

    تعال نجري كالريح

    نلعب في المفارق

    ونكون في مكمن ٍ أمين

    خلف تلك الجدران

    ولا صوت للمنافق

    بالعشي والأبكار

    هتافهم والصحون

    شحيحة من الزغب

    فتية ٌ يهصرهم القيد

    على كواحلهم

    وعلى خواصرهم

    يبتغون الدنيا

    حديقة ٌ ربيعية

    أو كفتاة عارية

    حتى أخر قطرة ندية

    قيل لهم اركعوا

    هم لا يركعون ..!

    والأحجار صرخت

    من رضيع فارق

    وجه النهار

    لم يمتلكوا شيئا ً حتى

    ولا رائحة دينار

    والرضيع يشخر

    والوحش يأكل في الصدر

    هكذا هم يفارقون

    كومة الأقدار

    علام يا صاحبي يشدك

    أنين مسافر الأقمار

    ألا تدري هذا الليل

    فيه كل الأسرار

    وأن العمالقة يركبون

    النخل ليلاً وفي الاصباح

    تبدأ العصافير بالزقزقة

    فمنهم الضاحك

    ومنهم الباكي

    هلموا فقدنا

    شيخنا الوقور

    وما هي إلا صيحة

    تلملم السائرون

    ثم انقلبوا خاسرين

    ضحك الذي يبيع الأسماك

    وهي منتحرة

    من يعصمني

    من هذا المر

    وفي الفم صدء ٌ

    أنا أفتش عمن

    ترعاني ليلاً

    ولا أجد غير هذه الأسماك

    تنام أمام عينيّ

    وأسراب الغربان فرت

    الى وكرها ...

    الذي تألفه من سنين

    والرصيف مليء

    بالغرباء والشحاذين

    وكؤوس الليل مترعة

    حتى الثمالة

    ودوي المساء

    يخرس ألسنة العابرين

    فالخوف مزروع في الصدور

    منذ نبوخذ نصر

    وحتى صوت السماء

    الذي بعد لم يصل

    حتى شأفة الجبين

    والأسماك تتقافز

    مثل بياع الأكشاك

    حيث يتنمرون

    من أجل لقمة

    كالضباع ينقلبون

    الرحمة تصير هباء

    يحملون أوزارهم

    يدوسون الأرض

    بأقدام جائرة

    وقلوبهم تمسي

    كالحجر المسنون

    كأن عينيها مثل

    نجوم احترقت .. أبصرتها

    فباعتني بسيكارة

    صنعتها بقلبي

    وكل قراطيسي

    ونسجت ُ لها

    أجمل أشعاره

    والليل متخم ٌ بالأجساد العابرة

    وجوه ٌ ملطخة بالأصباغ العاهرة

    لم أدري من يكون

    ذلك الفتى المجنون

    الذي يولد من

    بين الجفون

    وهو يحمل أسفاره

    والسنين تجري

    كالرياح المسافرة

    أيامها مُرة

    ولياليها عاثرة

    والرعب في قلبي من غد

    لا أعرف ما تحت السطور

    والآتي الذي يحكمني

    غريب ٌ مسعور

    ويح قلبي والليل

    بلا نور ...

    فتحت أبواب قلبي

    والقلب غض صغير

    احتضنتني عند المساء

    فأذهبت عني كل العناء

    ونثرت الورد على رأسها

    وقلت يا سيدة الاشتهاء

    نام قلبي بين يديها

    كرضيع السماء

    فالتحمنا كلانا

    كالسكر والماء

    وكتبت أسمها على الشوارع

    وعلى أبواب الرجاء

    ثم افترقنا والمدن رمتني

    كل سنة أسعى

    بين .. بين

    لا أرى طفولتي

    ولا عشق الصبا

    والأنين ينخر في الصدر

    ومفردات قصتي

    إيه ٍ متى أدرك حكايتي ؟

    ربما أنكرتني سمراء

    فكومت علي ّ كل الشقاء

    نثرت الشعر عليها

    وقلت يا سيدة الاشتهاء

    اعتصرت قلبي

    وأنت ِ من فتح

    أبواب الهوى واللقاء

    إيه ٍ أيها النائم

    ألا تستيقظ ؟

    لتخبرها بأحزاني ومحنتي

    وأنا المسافر

    وأنا الذي خسرت

    كل أمنياتي وحنين دمعتي

    أفر الى الشطآن

    وكؤوس الهوى

    أستذكر النوى

    وأنا رفيق القطط والجرذان

    متجاورات على الفتات

    والجرف أعمى

    والماء يغسل كل الأدران

    مالي لا أرى الكون

    كيف يصير ألوان ..!

    فالوقوف على

    غير باب الله مذلة

    وباب الله رحمة

    ورزق ٌ ومحنة

    وباب الناس انكسار

    وباب الجبابرة محنة

    فالحب طريق الحياة

    والحب وفاء ٌ ومناجاة

    والوصل بينهما كالقمر

    ينير الدرب

    وتستقر الأمنيات

    فالسكن سلام الروح

    والدار أمن ٌ وأغنية الروح

    والغربة أفتك من الجروح

    والوحدة تفتك بكل الأفراح

    هل فررت إليها

    كالطير الجريح

    وآشور يختنق في نينوى

    وآنانا تسأل عن الأسباب

    والضباع تتناهش على الأبواب

    كيف تكون لذة الاغتصاب

    هل هم رسل السماء ؟

    أم من خونة الشعب

    وسادة الأجناب ...

    وشيوخ الفتنة

    وملوك الشعاب

    واه ٍ يا رب الأرباب

    ورب سومر وأكد

    والبابليات زرعن

    في القلب كمد

    سمراء يتناثر من حولها

    الطيب والسعد

    وعشق الماء للجرف

    عشق الحلمة للنهد

    يا حلاوة العذوق

    شقراء كالعسجد الرقيق

    عملاقة يا نخول العراق

    شموخها شموخ

    العلم الخفاق

    عبرنا الجسر وهي

    تجري خلفنا

    لا جدوى من اللحاق

    صحت يا كلبتي ربما

    نلتقي بعد الفراق

    ويح قلبي من شعب

    يحيا على الشقاق

    ويموت ألف مرة

    بأيدي الغرباء

    وسدنة النفاق

    حلم ٌ كظلي يأكل

    في لحمي وعظمي

    ألا يا سيدة الألم

    متى يطلع فجر أسمي ؟

    ووردة ٌ من البنفسج

    أشمها من النحر

    الى الفم ...

    وأغني كما لو أنني

    سيد الخورنق والسدير

    فهل حيتك المدينة

    يا سيدي البشير

    أم فاضت دمعا ً

    من كل باب وجدار ؟

    تلعن من ذبح سادة الثغور

    والدماء بحر

    أكبر من كل البحور

    وي يا سيدي الإنسان

    كيف نحروك وأنت

    ابن النذير

    والكواكب تهوى

    والدماء خطت على الأفق

    ألوان السطور

    حكمتنا الغيلان

    والخير لا يشبع الجوعان

    والطيب فيهم

    يقتل ويهان ..!

    وطغاة القيد والسيف

    والعصا بيد السجان

    ردي قلبي يا وردتي

    سهم الهوى يمرق

    في لحمتي ...

    فأنت ِ الندى

    وأنت ِ ناديتي

    وأنا أسيركِ

    فمن يحررني من لهفتي

    والعشق لا زال يمرح

    في عظمتي

    عشتار يا روح الرافدين

    ونبض القلب والخافقين

    ونزيف الروح والشرايين

    والوتر الصداح

    بين النهرين

    سيدتي شبعاد

    الألم يحز في الفؤاد

    ضاع مني حنيني وودادي

    من أخوة قتلتني

    بأسم الدين والضاد

    وفي زوايا الرشيد

    عيون ٌ كحيلة كالزمرد

    تتناثر بين الركن

    وغرفة الودود

    أذا الكأس تمنى

    رشفة من ثغر ذوى

    من عديد القُبل حتى ارتوى

    وثملت كل العظام

    ما أسمها ؟

    ليلى ... أم منى

    وسيدتي على باب الكرنك

    حملت أرجلي إليها

    أنا أفتش عن صاحبة الليلك

    سمراء كأنها المسك

    تهتز كالغصن

    وبين كل الأحضان

    قدمت لها عشقاً

    في صحن من المن

    قلت سيدتي اعذريني

    فعشقك ِ كالمزن

    وعشقي سحائب ٌ

    أذا أمطرت ...

    أخضرت كل مدني

    وقفت بين الحجر والطين

    كلكامش ... مسني

    شيء ٌ من الجنون

    أي خلود يزرع

    بين الجلد والعيون

    والطائر العملاق

    لا زال يهز شجوني

    لم الكره ... لم الحقد ؟

    لم التنافر ... لم الغدر ؟

    لم القتل ... لم النحر ؟

    ولم ( نايري ) يحرسها وغد

    و ( ميديا ) تعانق الغريب

    وأنا الأب ... وأنا الولد

    سيدتي ( بوآبي )

    أما تسمعين عذابي

    وفراق أحبتي وأحبابي

    وأنا بين الليل والهضاب

    كالغريب لا تفتح

    كل أبوابي ...

    لم يا سيدي يا نبوخذ نصر

    لم السبي وأنت لا تعذر

    هل هم الغادرون والأخطر

    فكان القيد لهم وأكثر

    والبؤر كالضباع

    وأرذلهم يتنمر

    يا بائعات الهوى والخمر

    من يداويني من السقم والقهر

    ويفك القيد من معصمي وثغري

    أنا عاشق ٌ حريتي وفكري

    والناس كالظل لسلوكهم

    يحن ويجري ...

    عبيد لا يستفيق عقلهم

    نوم ٌ على البعر

    هزني ليلها الطروب

    ونسيت يا صاحبي

    كل العيوب

    أسأل نفسي عن

    أحلامي وكل طيوبي

    أي عمر أقضيه

    بين الرشيد وشارع الحبوبي

    مطر ٌ أسود .. مطرٌ أخضر

    مطر ٌ أبيض .. مطر ٌ أحمر

    والأرض ربت

    وأنشق الحجر

    والنفوس مبعثرة كالبَعر

    يقولون وطن ٌ

    ليت وطني حر

    أضاعوه فلم يستقر

    والسحائب أمطرت

    تذهب هباءاً وهدر

    وأنت أيها المسافر

    أي قطار عليه تغامر ؟

    أم سفينة في

    بحر ثائر

    غريق ٌ أم في

    فرن تتدثر

    واه ٍ يا غريب الروح

    والتفاكر ...

    لا وطن ٌ ولا دار

    وأنت المقامر الحائر

    لماذا .. والنهر

    لا زال يجري

    لماذا .. وكنوز الله

    كالبحر ...

    لماذا .. والفتية كالأقمار

    لماذا .. والعقول كالأنوار

    لماذا .. الأوطان

    تحيا على التدمير

    ( مردوك ) أعدني

    أعدني ...

    ( سميراميس ) شموخ وطني

    إيه ٍ حمورابي

    من يفتك بالقوانين

    كيف أرتقى آشور

    منصة الزمن

    أما زال الوحش يرعى

    في الأعين

    وأنتم أيها النائمون

    ماذا أجني ..؟

    حتى الجهلاء

    أكلوا سنني

    دنت الساعة وأنشق القمر

    وهي ظبية أم فلقة قمر

    غفت على الشطآن

    فجف النهر

    كأنها النار

    أم طلعة فجر

    قدودها نهشت فكره

    فأفتكر ...

    طلع الشعر من

    بين شفتيها فأنفجر

    هتفوا.. الأن طلع القمر

    يا أمنا السيف والقتل

    والشعر والضباء والخيل

    وفتاة حرة يبقرها فحل

    وأسواق وتجارة حريم ورجل

    ويقولون قيم ٌ وكرم

    وفضل وفارس بطل

    ولما هبط النور

    قتلوا الأمثل

    وتركوا السيف

    بيد الجاهل يفعل

    والأرض ابتلعت صنعها

    أعداد لا أول لها

    ولا المنتهى

    التراب منهم والطعام كنهها

    وهل من يتعظ

    مما فاتها ؟

    لو كان الخلود

    لأكل البعض بعضها

    وصار حلالاً

    عظمها ولحمها

    وكل عقد ٍ يعاقب الإنسان

    حرب ٌ أو إعصار أو بركان

    وللسماء حكم ٌ على

    من أفسده الزمان

    والإنسان ملاك

    والإنسان شيطان

    لم السماء صنعت

    ضباء وغيلان

    والمرأة ليل ٌ

    والمرأة أحضان

    دفء ٌ وأفعى

    سليلة شيطان

    وهي الروح والسكينة

    والحنان ...

    ولولاها الروح يتيمة

    والجنان ...

    فإذا أقبل الليل هي

    سكن ٌ وهي الحيوان

    والديناصورات

    تلتهم الضباء

    والضباء تلتهم الأعشاب

    والأعشاب يزرعها الضعفاء

    والضعفاء يصنعون الكؤوس

    مترعة بأفواه المنتفخين

    والسماء أوحت أن

    الأرض للجميع

    لكل من كان عليها مطيع

    والمفترسون يشربون الدماء

    ينامون على أجداث

    ثغور صماء

    لا يوقظها إلا الموت

    وتراتيل السماء

    منتفخون يستعبدون

    يغتصبون ...

    وآخرون على

    الفتات يتسكعون

    ومن يستجدي ومن

    هو خاوي البطون

    والكون فيه كل ما يشتهون

    وهم لا يشبعون ..!

    ويبقى الإنسان

    سلطة وعيون

    ومن يروم كسر القيد

    خائن أو مجنون

    سرقوا شرائع الرب

    والبدور ...

    وقالوا السلطان لنا

    وحكم القوارير

    والسماء أوحت من

    يخلصهم من الأشرار

    والسماء أمطرت سجيلاً

    من الأحجار

    والبيت محروس

    بملائكة النور

    وفي غياهب الجُب

    نطقت عيون الجمال

    وأنطلق الموعود

    يحطم سبل المحال

    فألقت كل اشتهاءها

    باقتتال ...

    وعيون الله أيقظت

    كل الزلل ...

    وقالوا القضبان

    هيت لك يا سيد الجمال

    عيون المها كحلت

    رموش عشاق

    ونامت على الجسر

    أجداث رفاق

    والزمان يولد

    مرة أخرى بشقاق وانغلاق

    مات المناضل

    والاعناق بأحتراق

    والتراب ذهبا ً

    والتراب صار للسراق

    قلت يا صبر أيوب

    يا صبر أيوب ...

    ودوي الماء يذهل

    المرعوب ...

    صنعوا الجدران

    وأوجدوا مُر الخطوب

    كأن الأرض لهم

    والهواء والماء

    وذوات الجيوب

    والملك لله فما أشقى

    سطوة اللعوب

    ملعون ٌ أيها الكرسي الملعون

    من يرتقيك يصير

    غولا ً مجنون

    والليل أسرار

    ومختبئ ٌ مفتون

    والزمان يدور

    والكرسي ملعون

    فمن يشتري العقل ؟

    والوعظ يزين

    أجر رجلي ّ جرا

    سقم ٌ لا يصلحه

    العطار أبدا

    والشيب يزهر فجرا

    قسرا ً يجرني قسرا

    ومن يداعبه الجميل

    يفيض عطرا

    والعمر قصير يا سيدتي

    صبرا ...

    تذكرت خلتي والزمان عسير

    وأحبة كانوا في صباي زهور

    والأيام تجري محملة شرور

    والمدن غريبة شريعتها

    ذبح نحور ...

    العقل أرادة

    والظل خارج الحلبة

    والناس ظل ٌ

    والظل مفسدة خائبة

    والجسد يصير فاكهة

    خضاراً ورائبة

    يدور ثانية بالشرايين

    دماءا ً سائبة

    تلك ضنوني يا صديقي

    والعيون اللاهبة

    يا ألهي ليس لي إلاك معين

    فالدنيا صارت مقتلة وجنون

    والرحمة رفعت

    والشر صار يقين

    وأنا المكلوم

    وأنا المحروم .. سنين

    يا ألهي أنت حبيبي

    واليك أكون

    هذه مسلتي في الغياهب

    أروم بها أن أكشف

    كل طاغ ٍ غاصب

    وأخط على الروح

    صوت الفتى المعاتب

    سيدتي يا جميلة

    العينين والحاجب

    بالله عليك ِ هل من

    رشفة للمخاطب

    طلعوا من بين الجحور

    ينشرون لغة التكفير

    ويذبحون ويبيعون

    أجمل الحور ...

    دعاة الأجنبي والتلمود

    وشيوخ القصور

    يخربون الدار

    ويحرقون دوري

    الشيطان ملعبهم

    والخائن الأجير

    هو الكون كواكب ونجوم

    وفروج ٌ في الأعماق

    وسدوم ...

    ليتني طائراً عليها يحوم

    وأقول لها سيدتي مكلوم

    والفراق يا سيدة العشق

    مذموم ...

    ألهي اليك المرتجى

    وأنت الشافي وأنت الهدى

    وأنت ولي نعمتي

    وأنت المنى

    والطريق أتعبني

    والنجم قد هوى

    وسبيلي وقراطيسي

    والقلم قد ذوى

    من يريد معرفتي

    كأنني الصدى ولغة السما

    أراني وكل الأبواب مغلقة

    وعيون السارحات محرقة

    فأي طريق يا مفرداتي

    أتبعه ..؟

    والطريق واحد ٌ

    الى حفر زلقة