عملية باريس الإرهابية .. هل هي مؤامرة صهيونية بأياد مسلمة ؟!

 

 

In a stunningly dishonest, conspiracy-laden, and anti-Semitic article, the International Business Times accused Israel and the “Jewish people” for the horrific terrorist attack carried out in Paris yesterday.)
هذا ما نشرته صحيفة (إنترناشينال بيزنز تايم)* عن الجريمة الإرهابية البشعة التي أودت بحياة إثني عشر مواطنا فرنسيا. وكنت قد نشرت قبل ان اطلع على المقالة مطالعة قصيرة على صفحتي في التواصل الإجتماعي بهذا المعنى, اي عن إمكانية أن تفسر الجريمة بشروحات لها علاقة بنظرية المؤامرة, واجزم إنني لم أفعل ذلك إلا من خلال إدراكي لما تسببه تك الجريمة من ردود فعل غاضبة ليس من شانها أن تحقق سوى عكس ما أراده الإرهابيون تماما. فإن تصورنا أنهم أرادوها تعبيرا عن محبتهم للنبي محمد وإنتقاما له ممن اساءوا له برسومهم الكاريكترية فالنتيجة أتت عكس ذلك تماما وبدرجة قوية من رد الفعل التي عمقت قناعة البعض الكارهة للإسلام ونبيه, وأضاف إليهم كثيرون من الذين أقنعهم دم الضحايا بصدق القناعات التي كانت تطرحها المجلة. 
وأعود للتاكيد على أن ما أكتبه هنا لا ينطلق من إيماني بما قالته الصحيفة حول وجود مؤامرة صهيونية, ذلك لأن لي تفسيري الخاص لـ (نظرية المؤامرة) وللفرق بينها وبين ما تعنيه (المؤامرة) على الجهة الأخرى, وكنت قد تطرقت إليه في اكثر من مقالة, ولا اجد غضاضة في ان اطرحه مرة اخرى ومرات, لأهميته أولا, ولمقدار ما يؤدي إليه الخلط بين المفهومين من أضرار. كثيرون لم يعد يميزوا بين المفهومين حتى يكاد البعض يحسبهما واحدا. إن نظرية المؤامرة هي ثقافة يراد منها إيصالنا إلى المساحة التي نعتقد فيها ان كل شيء حدث ويحدث لنا هو مرسوم ومخطط له. والنتيجة المقصودة هنا بطبييعة الحال هي تغييب الإرادة الذاتية عن المشاركة ولو بدور صغير لصنع الحدث, وهذا معناه أننا سنتحول إلى مجرد روبوتات مسلوبي الإرادة, ومعناه بالنهاية صدور حكم بإنهائنا كبشر أصحاب رأي وقضية. أما المؤامرة فهي موجودة على أشكال عدة وبآليات مختلفة, لكن اشدها تدميرا هي تلك التي تستهدف إشاعة الإيمان بثقافة نظرية المؤامرة, وهذا سيجعل نظرية المؤامرة هي المؤامرة. 
وأظن ان الإيمان بهذه النظرية غالبا ما يتصاعد بعد أن يتبين المرء بان العمل مثار التعليق كله نفع للعدو, وإن البحث عن المستفيد الأساسي سوف يشير بالعشرة إلى أن نتائجه كلها سوف تصب في صالحه. وفيما يخص العمل الإرهابي الذي إستهدف المجلة الباريسية كان بإمكان طفل أن يحسبها وإن ينتهي إلى نتيجة تقول أنها تلحق ضررا عظيما بالإسلام ونبيه, فالواحد الذي يكره النبي محمد سيصير ألفا, والمائة الذين يعتقدون ان الإسلام دين إرهاب سوف يصيرون عشرة آلاف. 
لكن علينا أن نفهم بالمقابل أن التكفيرين لا يحسبونها بهذا الشكل, فهم لا يؤمنون مطلقا أن بإمكان الحوار أن يكون أيضا وسيلة لحسم الإختلاف بل يعتقدون تماما ان الحل يبدأ من قطع الرقاب بدلا من أن ينتهي به ! لقد نقلتهم ثقافة التفكير والتطرف إلى ساحة لا علاقة لها بساحة العالم المتمدن, لذلك فهم لا يفكرون بالطريقة التي يفكر فيها هذا العالم. نحن نظنهم مرضى لكنهم يظنوننا كفارا, ولكي نفهم ما يفعلونه علينا ان نفكر من ساحتهم لا من ساحتنا, وبثقافتهم لا بثقافتنا, وسيجعلنا ذلك نؤمن ان المخابرات الصهيونية ما عادت بحاجة ماسة إلى أن تتآمر ضدنا بهذه الطريقة المكلفة, يكفيها أن تفرش ردائها لكي تجمع الثمار التي تتساقط بنفسها على الارض. لكن أفضل ما ستفعله الصهيونية هنا ان ستشجعنا على أن نفتش عن المجرم عن طريق نظرية المؤامرة لأن ذلك سيمنعنا عن رؤية الخلل فينا ثم البحث الجدي عن طرق معالجته.
ويوم نناقش الأمر من ناحية فنية سنكتشف مقدار الجهالة التي نتنعم بها, فإفتراض ان إسرائيل فعلتها يفترض بالمقابل اننا أسوياء ولا يمكن أن يكون الفاعلون هم من داخل البيت الإسلامي لأنه نظيف تماما من الأفكار التكفيرية, وهذا أمر يدعو إلى الغبطة حقا لأننا سنكتشف ان نصوص القتل والإرهاب وبيع الإماء وسبي النساء وطرد الصابئة والمسيحيين من أراضيهم والتعامل معهم كأهل ذمة ثم القتل الطائفي الذي اودى بمثات الألوف, كلها أدخلها الصهاينة إلى قرآننا وسنتنا النبوية. 
لا يا سادة, ليس هذا هو تفكير الأسوياء. نعم هناك مؤامرات تجري ضدنا, على أن اكثرها شدة وأفظعها ضررا هي التي تلك التي تستهدف صرف أنظارنا عن مصدر الخلل الحقيقي. فلنذهب إليه لإصلاحه وبعدها فلنؤمن ما شئنا بقصة نظرية المؤامرة هذه.
لا أحد مدعو لتغيير دينه او التخلي عنه, ولا احد مدعو لحذف هذه الآية او تلك من القرآن الكريم. إن ما نحتاجه هو فصل الدين عن السياسة لغرض أن ننزع فتيل التفجير الذي نزعته أوروبا عن دينها قبلنا بقرون ستة. ثم أن على فقهائنا تأويل الآيات بمعان متناغمة مع متغيرات العصر لكي لا يكون الجامع حاضن إرهاب أو مفرخا له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://thepunditpress.com/2015/01/08/international-business-times-jews-israel-behind-paris-shooting/