لاشيء يُلخِّصُ بدقةٍ أوضاع العراق كلّها .. ويكتبُ بصدقٍ تاريخ العراق ، مثل الموازنة العامة للعراق . 2003 - 2013 : هدر الأمكانيات والموارد ، وانسداد الأفق . 2014 : لا توجد موازنة عامة . يوجد فقط " بيان مالي " .. و " نصف " عراق . البيان الماليّ .. ليس " موازنة " . ونصف العراق .. ليس " عراق " . 2015 : غيابُ اليقين حول كلّ شيء ، والثقة بأيّ شيء .. إبتداءاً بالموازنة ، وأنتهاءاً بـ " العراق " . ومقارنة بـ قانون الموازنة العامة للعراق للسنة المالية 1959 ( وهي سنة صعبة بكل المقاييس ، لأن التغيير الكبير حدث قبل اعدادها بخمسة اشهر فقط ، أي في 14-7-1958 ) .. يمكن ملاحظة ما يأتي : 1- إن المقصود بـ " السنة المالية " هو : السنة التي تبدأ في 1-4 من كل عام ، وتنتهي في 31-3 من العام التالي . لذا فإن قانون الموازنة العامة لعام 1959 ، الذي سينفّذ اعتباراً من 1-4-1959 ، قد تم اعداده ومناقشته واقراره ، ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 163 في 30-4-1959 ( أي بتأخيرٍ شهر واحد فقط من تاريخ نفاذه ) . 2 - بلغ اجمالي نفقات الموازنة 104 مليون دينار . واجمالي ايرادات الموازنة 95 مليون دينار ( أي بعجز قدره 6 مليون دينار ) . 3- لم تكن الحكومة تمتلك النفط ، ولا تسيطر على العائدات النفطية . بل كانت تحصل ، فقط ، على " حصة " مقررة لها من هذه العائدات بموجب اتفاقيات مع شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق آنذاك . وهي حصة أعرف تماما انها ضئيلة جدا مقارنة بباقي ايرادات الحكومة ، غير أنني لم اتوصل الى رقم محدد بصددها من قانون الموازنة لعام 1959 . كما لم اتمكن من معرفة " الباب " الذي سيتم قيد هذا المبلغ في اطاره ، في خلاصة مدخولات الحكومة في الموازنة العامة . 4 - في الموازنة العامة لسنة 1959 المالية تم تخفيض حصة " مجلس الأعمار" ووزارة الأعمار - ( وهما الجهتان اللتان كانت تناط بهما قبل 14-7-1958 مهمة اعمار العراق ، وبناء مشاريعه الأستثمارية ، وبنيته التحتية ، ضمن رؤية استراتيجية بعيدة الأمد ) - إلى 50% من اجمالي حصة الحكومة من عائدات النفط ، بدلاً من 70% . علما بان حصة هاتين الجهتين كانت 100% من مجموع حصة الحكومة من العائدات النفطية ، ولم تكن الحكومة تستطيع التصرف ، ولو بفلس واحد منها ، لغرض الصرف على موازنتها الجارية قبل 14-7- 1958 . بعد ذلك تم الغاء مجلس الأعمار ، و وضع كل ايرادات الحكومة من العائدات النفطية تحت تصرف الدولة . وبهذا تم تدشين حقبة الموازنات العامة الضخمة ، ووضع حجر الأساس للموازنات " الثورية - الأنفجارية " ، واطلاق اليد امام موازنات " القيد المنفلت " أو " السائب " ، وطغيان المصروفات التشغيلية " الشعبوية " غير المنتجة ، والتي اتاحت ، بدورها ، للقوى السياسية الحاكمة التحكم بإدارة وتخصيص و " هدر " المال العام .. والسيطرة على مفاصل السلطة والثروة ، إلى هذه اللحظة
|