هز أول أمس انفجار هائل من نوع الجريمة المنظمة (المدبرة) (أو الهجوم المؤدلج) أودى بمقتل أكثر من 12 شخصا في فرنسا بعد الهجوم على صحيفة شارلي أيبدو الفرنسية, وهو ما أثار حفيظة العالم أجمع, وكان العرب أول المنددين بالحادث كعادتهم, فالعرب لا يجدون إلا خطاب التنديد والشجب والرفض, دون تقديم مزيد من التفاصيل (!), وبنفس اللحظة أتهمت وسائل الإعلام الغربي المسلمين بالوقوف وراء الحادث لسبب بسيط إن الصحيفة قبل كذا عام نشرت رسوماً مسيئة عن رسول العرب والمسلمين محمد (صلى الله عليه وسلم), ثم عادت لتنشر كاريكاتير لزعيم دولة العراق والشام الإسلامية (داعش) الملقب (أبي بكر البغدادي).
وإذا كانت احداث 11/ ايلول 2001 سُميت بغزوة مانهاتن نسبة إلى أشهر أحياء مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، فهل يُعقل أن نطلق تُسمية (غزوة الشانزليزيه) نسبة إلى أعظم وأرقى شوارع باريس التي كثيراً ما يرتاده العرب والمسلمين, هذا اذا افترضنا ان ما قام بالعملين الاجراميين هم عرب ومسلمين فعلاً بدون مؤامرات غربية مدبرة من ذاتها النوعي, ومدفوعة الثمن مسبقاً.
على الفور بادرت وسائل الإعلام الغربي على إلصّاق التهمة بالعرب والمسلمين وفق منطوق الإسلاموفوبيا الذي بدأت يُثير مخاوف القارة العجوزة, كيف لا وهي لا تجد إلا الإسلام شماعة تعلق عليه هفواتها, أو تبريراتها المُعدة في غرف الدوائر الغربية المخابراتية, أو بالأحرى لا تجد إلا الإسلام كخصم وعدو افتراضي صنعته الدوائر الغربية, ووجدت في الرسوم المسيئة عن الرسول وعن زعيم داعش مبرراً لها لصناعة الهجوم أو تدبيره بفعل فاعل حتى تُقنع الشارع والرآي العام العالمي بإن من قام به هم جماعة دينية إسلامية متشددة تنتمي لعقيدة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو لزعيم داعش, فتحاول قدر الإمكان الربط بين الإرهاب والإسلام, وخلط الأوراق بينهما, وإن هكذا أتهام أو توجيه بصمات الجريمة بالسرعة الفائقة لجماعات إرهابية إسلامية متشددة (يُعتقد إنها تنتمي للإسلام) سوف تضع كل العرب والمسلمين في أوروبا في حالة التوقيف والإقامة الجبرية والمراقبة المشددة وتقييد حرياتهم الدينية وإشعارهم بالتغريب, خصوصاً وإن فرنسا أكثر دولة أوروبية تشهد صعوداً إسلامياً, وهناك بعض الاستقراءات والتقارير الميدانية تُشير إلى إن مطلع العام 2050 ستصل نسبة المسلمين في فرنسا إلى نصف سكان فرنسا بلد العلمنة والتنوير والحداثة والثورة والإصلاح في العالم.
إن قيام مسلحين بالهجوم على مقر صحيفة شارلي أيبدو، الموجود في أحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس، وإطلاق النار على ثلاثة من رجال الشرطة الفرنسية، بالإضافة إلى إطلاق النار على العديد من عمال مجلة شارلي أيبدو الفرنسية لم يجد العداء الغربي للإسلام إلا تبرير ربط الهجوم على الصحيفة المذكورة كونها قامت بنشر صور مسيئة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منذ حوالي بضعة سنوات، وهو ما جعل العديد من الجماعات الإسلامية تتوعد الصحيفة الفرنسية وكافة العاملين فيها بالرد بهجوم مسلح, إضافة إلى قيامها في الأيام الأخيرة، بنشر كاريكاتور يستهزئ بزعيم داعش، الذي نصب نفسه أميرا لدولة الخلافة الإسلامية داعش على حد تعبيره, وهو ما يجعلنا نعتقد إن الهجوم لا يخلو من رائحة المؤامرة التي دُبرت في ليل.
بمعنى إن ربط الإرهاب بالإسلام هو ليس له إلا مبرراً واحداً هو تنشيط الدعوة الغربية إلى تقويض التنامي والصعود الديني للإسلام في اوروبا خصوصا فرنسا وبريطانيا إضافة إلى أمريكا, ومحاصرة وتفتيت انبعاثه الحضاري, ونحن هنا لا ندافع عن الإرهاب ولا نروج لبضاعته بل نعنفه وننبذه, لكن لا يجب أن يتم الاتهام على حساب العرب والمسلمين في أوروبا, وإن غزوة الشانزليزية لا تختلف عن غزوة مانهاتن, فكلاهما أمرٍ دُبر في غُرف مظلمة معادية للعرب والمسلمين, وكلاهما من سيناريو الأفلام الهولويودية المفبركة والمدفوعة الثمن مسبقاً من وعلى حساب منظمة إيباك الصهيونية الناشطة في أمريكا والعالم, لا هدف من ورائها إلا لخلق وصناعة "العدو الأخضر" أي الإسلام على اعتباره عدو افتراضي يتوجب التخطيط والتكتيك المخابراتي من أجل كسر شوكته وتهديمه في قعر داره!