من الاربعاء وحتى الجمعة من الاسبوع الماضي عاشت فرنسا لحظات امنية استثنائية جدا، فمن اقتحام لمؤسسة اعلامية عريقة وقتل خيرة كوادرها، الى حادثة قتل شرطية وترويع الناس بسلسلة من الاقتحامات الدموية الى احتجاز رهائن، وغيرها من الحوادث الامنية، التي تسجل جميعها وتؤطر تحت عناوين الارهاب "المحسوب على الاسلام" بامتياز. المواطن في اوروبا لم يعتد كثيرا على مثل هذه الحوادث، فهي وان لم تكن صادمة تماما له نتيجة لحصولها في اوقات متباعدة من العقدين الاخيرين الا ان حدوثها بهذا الشكل لا يخلو من الصدمة والمفاجئة، ليس من السهولة بمكان بالنسبة للمواطن الفرنسي انه وبعد ذلك السقف المرتفع جدا من الامان يجد نفسه فجأة مطارد من قبل الارهاب من مكان الى آخر! هذه الصدمات المتتالية التي تضيّق الخناق عليه تدفعه بشكل او باخر الى البحث عن خيارات لم يكن في العادة يفضلها، لكن الاولويات وفي مقدمتها الامن تدفعه لاتخاذ القرارات الاكثر صعوبة، والتي تنعكس بشكل سلبي في نهاية المطاف على الجاليات العربية والاسلامية. الارهاب وضع الجميع في موقف لا يحسدون عليه، وضع الجاليات العربية والمسلمة في موقف المتهم، كلما حصلت جريمة ارهابية في الغرب سيدفع بقية المسلمين والعرب الذين يعيشون هناك تبعات ذلك بشكل او بآخر، المحيط الذي يعيش فيه القادمون من الشرق يحملهم جزءا كبيرا من المسؤولية حتى وان حصلت الجريمة الارهابية في بلد آخر، بل ربما يتعرض المسلم لمواقف اكثر صعوبة، نظرات الجميع من حوله كافية لأفهامه تلك الرسائل الجارحة. سوى اليمين المتطرف الذي ترفع تلك الحوادث الارهابية من منسوب جماهيريته فان الاحزاب السياسية المنافسة له تجد نفسها في موقف حرج جدا، مع هذا السيل من التطرف الذي يأتي غالبا من المهاجرين لابد ان تتخذ القوى السياسية الاخرى موقفا سياسيا واضحا من الهجرة، وهذا في نهاية المطاف يضعها بالضد من اهدافها المعلنة في برامجها السياسية، نعم ليست السياسة مؤسسة خيرية، والمصالح كفيلة بدفع كل الاطراف لاتخاذ هذا الموقف او ذاك، لكن الاحزاب السياسية في الغرب لا تنقلب بسهولة على برامجها السياسية كما هو الحال مثلا مع الاحزاب في مناطق اخرى من العالم، انها تحرص على المناورة في مناطق الفراغ والمساحة المفتوحة التي يضمنها البرنامج السياسي دون المساس بالمبادئ الاساسية التي شكلت من اجلها تلك الاحزاب. ان اليمين المتطرف واصحاب القرار خلف الستار خصوصا القرار الامني ينتظرون مواقف من هذا النوع، ويحاولون احيانا اطالتها قليلا من الوقت مع وضعها تحت السيطرة من اجل تهيئة الاجواء بشكل تام لاتخاذ قرارات استثنائية تمس الحريات الشخصية والعامة والتي لا يسمح باتخاذها في الظروف الاعتيادية في بلد مثل فرنسان على سبيل المثال. وفي نهاية المطاف فان ما حصل في فرنسا من حوادث ارهابية لا يزيد صورة المسلمين اينما كانوا الا مزيدا من السوداوية، ويعكس عنهم وعن دينهم اسوأ ما اشيع عنه.
|