أَحلامي مثلي.. في السبعين!

فنجانٌ آخرُ ؟..
أدري. قهوتنا كادت.. لكنَّ الليل على أولّهِ..
هل كُنّا أطفالاً يوماً؟ أعني مُذ كُنّا أصغرَ، والليل طويل، يكفي للأحلامِ. الليل الآن - كما الفلمُ الهنديّ - طويلٌ جداً ونحيفٌ جداً!، كُنّا نذهب للفلم الهندي، لأجل التبريد!..
وكُنّا نذهب للأفلامِ الأمريكية حتى في الحرِّ! الأفلام الأمريكية تكذب أجملَ مِمّا نصدق نحنُ الشرقيين!...
أنا أعني حتى الأحلامُ - ومازالت بالأبيضِ والأسود - لا أحلامَ ملونةٌ. تدرين لماذا؟.. الألوان كما قال مُعلمنا أستاذ الرسم: الألوان يُحدّدها مقدار الضوءِ- الأجفانُ مُغلّغةٌ في النومِ- إذاً. لا ضوء. إذاً لا لون.. الأحلام ستبقى بالأسود والأبيض. تدرينَ؟ القهوةُ تظهرُ واضحةً في الأحلامِ، فما دامت سوداء وتُعطى في المأتمِ مجاناً!.. تدرين؟. أتى يومٌ - صرنا نحلمُ حتى بالقهوةِ - نحنُ البصريين - بْسَنةِ التسعينَ، الكيلو - لا كذبني الله - الكيلو غيرُ المطحونِ.. نسيتُ السِعرَ..! ذهبتُ بعيداً!..
فلنرجِع للأحلام، الاكفانُ كذلِكَ واضحةٌ في الأحلام، الأكفانُ بِلا لون، ليست خضراء ولا صفراء وحتى - سُبحان الله - خدود بنات المدرسةِ الحلواتِ، التفاح بِلا لونٍ في الأحلام، الرُمّانُ.. انتبهي! في سنة ثمانين - عساها ما عادت!- كُلّ الأشياء غدت في لونين: الأحمرِ والأسود.. جُرح ابن أختي احمرُ... أختي تتباهى قُدّامي: - أنظر! "ثائر" في طُولك، باسم الله عليك!.. وثائرُ لم يسمع صوت القصف الأول، كان يُغنّي!.. في الليل حلُمت بثائرَ. كان قميص ابن أختي أزرق، حتى في الحُلم. وسُبحان الله ابن أختي في الحلم تزوّج من بنت الجيران - وكانت عيناها خضراوين. أنا أعني. حتى في الحلم. ولكنّ أختي - حتى في الزّفة - كانت بالأسود!..
فنجانٌ آخر؟..
أدري. قهوتنا في العلبة ما عادت تكفي. في الصبح سأذهب للبقال...
أنا عمري سبعون الآن. أنا أعني سبعينَ وعامين تماماً.. وأنا. - مذ عمري عشرون- حلُمتُ بسوق في العشار بتسعة ادوار "والعاشر للسّيارات".. أنا بطران أحياناً في أحلامي!.. حتى "العاجل" في التلفزيون :- "افتُتِحتْ مُنذُ قليل أوبرا الفارابي بالعشّار "ومدرسة الباليه" بحيّ الجمعيات.. و سبّاحاتُ البصرة فزن على سباحات مدينة "برلين".. البرلينيّات تعجبنّ من المسبح في "باب سليمان"... المنتخب الوطني ّ العاشر في تصنيف "الفيفا". فلمان عراقيان، من الموصل والحلة - في ترشيحات "الأوسكار"..
رئيس الوزراء يزور الأستاذ "فلاناً.." في شقته في حيّ الأدباء، يهنّئه بالترشيح إلى "النوبلَ"!..
فنجانٌ آخرُ؟..
لا. بل كأس نبيذٍ أحمرَ. تدرين؟ القهوة صارت تؤذيني. بالأمس شربت القهوةَ مرات ٍ - كان المترو أسرع ممّا خمّنت، وصلت الى المقهى قبل الأصحاب...
هناك تفاجأت، رأيت حفيدي "طارقَ" في منتزه الخريجينَ وكانت تمطر.. والملعون رأى بنتاً، كانت تمشي بمظلّتها - فآندسّ مع البنت الملعونُ.. وكانت تبدو سائحة - من مشيتها والشعر الأشقرِ..
للتذكيرِ:
غداً سأكون ببغداد ..
أنا أشتاق إلى نادي الأدباء، لأشرب نخب الأمواتِ.. بلى، لا بأس بفنجان. أدري قهوتنا كادت..
كان "العاجل" في التلفزيون:
"يقول شهودٌ أنّ بنات الموصل يلبسن الأسود حتى في العيد، لأنَّ..".
أنقطع التيار!
بلى. فنجانٌ آخرُ... لكنْ. لا سكّر فيه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصيدة التي ألقاها الشاعر الحجاج في مهرجان الجواهري الحادي عشر- دورة السياب